موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٣٠ أغسطس / آب ٢٠١٨
حقائق وإغفالات حول شهادة فيغانو ضد البابا

بقلم: أندريا تورنيللي ، ترجمة: موقع أبونا :

<p dir="RTL">&quot;أعتقد بأن بيان فيغانو الصحفي يتحدث عن نفسه. إنكم تمتلكون النضج المهني لاستخلاص النتائج&quot;. بهذه الكلمات الموجهة إلى الصحفيين على رحلة العودة من دبلن، دعا البابا فرنسيس إلى قراءة التقرير المكوّن من 11 صفحة والذي قدّمه السفير السابق للكرسي الرسولي في الولايات المتحدة، كارلو ماريا فيغانو، وطالب فيه البابا بتقديم استقالته متهمًا إياه بالتستر على كاردينال واشنطن السابق ثيودور ماكاريك (83 عامًا)، الذي كان له علاقات مثلية مع الإكليريكيين والكهنة الشباب. ولهذا، كان من الضرورة البدء بقراءة النص بعناية، وتحليله، وفصل الحقائق الواردة من الآراء والتفسيرات، وقبل كل شيء من الإغفالات.</p><p dir="RTL"><strong>عملية ضد بيرغوليو</strong></p><p dir="RTL">يمثل افشاء السر من قبل الدبلوماسي الفاتيكاني، وبه انتهك قسم الولاء للبابا والسر البابوي، هجومًا آخر ضد فرنسيس، تم تنفيذه بطريقة منظمة من قبل نفس الدوائر التي حاولت قبل عام التوصل إلى نوع من اتهامه بعقيدة الإيمان بعد نشره لمرسوم &rsquo;فرح الحب&lsquo; <span dir="LTR">Amoris</span> <span dir="LTR">laetitia</span>. ووكانت محاولة فاشلة. وفي الواقع، فإن فيغانو هو أحد الموقعين على ما يسمى بالمهنة، ويعرفون البابا بأنه &rsquo;صديق مع الطلاق&lsquo;، ولديه اتصالات جيدة مع الدوائر الأكثر محافظة في خارج الفاتيكان وفي داخله.</p><p dir="RTL">إنها ليست مجرد هبّة رجل الكنيسة المتعب من الأمور الفاسدة التي رأها من حوله، ولكنها عملية طويلة ومخطط لها بعناية، لمحاولة دفع البابا إلى تقديم استقالته، وتتجلى في توقيت وتورط نفس الشبكة الإعلامية الدولية التي ظلت تروج لعدة سنوات -وغالبًا ما تستخدم وسائل مجهولة- لدعوات أولئك الذين يرغبون بإلغاء نتيجة كونكلاف (انتخاب البابا) عام 2013. وتؤكد على ذلك، نفس الشهادات المكتوبة في المدونات المختلفة من قبل صحفيين نشروا تقرير فيغانو: وهم دائمًا في مقدمة الدفاع عن العائلة التقليدية، لكنهم لا يهتمون بإلقاء قنبلة في نفس اليوم حيث اختتم به البابا فرنسيس لقاء العائلات العالمي بقداس كبير.</p><p dir="RTL"><strong>شكوى عام 2000</strong></p><p dir="RTL">أولاً وقبل كل شيء، وبافتراض أن ما قاله فيغانو صحيح، فلننظر إلى الحقائق. في 22 نوفمبر عام 2000، كتب الراهب الدومينيكاني بونيفاس رامسي إلى السفير الرسولي في الولايات المتحدة غابريل مونتالفو، وأبلغه بسماع شائعات تتحدث عن أن ماكاريك &quot;تقاسم السرير مع إكليريكيين&quot;. وقبل يوم واحد، في 21 نوفمبر، عيّن يوحنا بولس الثاني ماكريك رئيسًا لأساقفة واشنطن. وقد أشار فيغانو إلى أن تشكي السفير لأمانة سر الدول، والتي كان يرأسها آنذاك الكاردينال أنجيلو سودانو، لم يتم متابعتها.</p><p dir="RTL">وهنا تجدر الإشارة إلى: أن الشكوى الأولى التي وصلت إلى السفارة، ومنها إلى الفاتيكان، كانت مباشرة بعد التعيين في واشنطن. ومع ذلك، يمكن للمرء أن يتساءل إن كانت هذه الشائعات حول ماكاريك واسعة الإنتشار ومُلحّة، فلماذا لم يتم منعه من تعيينه نائبًا مساعدًا في أبرشية نيويورك (عام 1977، في نهاية فترة حبرية بولس السادس)، ثم تعيينه أسقفًا ليتوتشين، نيوجيرسي، (عام 1981، في بداية حبرية يوحنا بولس الثاني)، ثم انتقاله إلى رئاسة أبرشية نيوآرك، نيوجيرسي، (عام 1986، ومرة ثانية مع البابا فويتيلا)، وأخيرًا تعيينه رئيسًا لأساقفة أبرشية واشنطن (عام 2000)، وإلى أن أصبح كاردينالاً (عام 2001)؟</p><p dir="RTL"><strong>كل هذا خطأ سودانو</strong></p><p dir="RTL">في السنة التالية لترقيته رئيسًا لأساقفة واشنطن، ضم فويتيلا ماكريك إلى مجمع الكرادلة. وفي تقريره، يلقي فيغانو اللوم في ترشيحه &ndash;بدون أي دليل- على سودانو، موضحًا أن البابا في ذلك الوقت كان مريضًا بالفعل، وغير قادر تقريبًا على فهم وإدارة الكنيسة. إن أي شخص لديه معرفة بشؤون الفاتيكان يعرف أن هذا غير صحيح. وأقله لم يكن صحيحًا في عام 2000؛ حيث سيعيش يوحنا بولس الثاني لمدة خمس سنوات ثانية.</p><p dir="RTL">نعلم في ذلك الوقت، بأن محيط دائرة فويتيلا الضيقة التي تسيطر على التعيينات، كان هناك سكرتير البابا الخاص، ستانيسلاف دجيفيتش (وهو الاسم الذي أغفل فيغانو عن ذكره)، ووكيل أمانة سر الحاضرة، وعميد الأساقفة، جيوفاني باتيستا ريه (الذي يذكره فيغانو لبترئته).</p><p dir="RTL">هل لربما لا يمكن الاعتماد على التقرير الأول، من دون أن يتحمّل الشاكون مسؤولية أنفسهم؟ أم كانت سلطة ماكريك (وقوته المالية أيضًا) قادرة على فتح أبواب الفاتيكان التي يجب أن تبقى موصدة؟ يمكننا إثارة الشكوك حول تعيين ماكريك في واشنطن، لكن لماذا لم يفكر أحد في هذه الحلقة بأن يتحقق من الشائعات حول ماكاريك قبل أن تتم ترقيته في السنة التالية؟ ولماذا أيضًا لم يصرّ السفير على ذلك إن كان على دراية من الانتهاكات التي ارتكبت ضد الإكليريكيين والكهنة (الذين هم في السن القانونية)، ولديهم القدرة على طلب لقاء مع البابا يوحنا بولس الثاني؟</p><p dir="RTL"><strong>عقوبات بندكتس السادس عشر</strong></p><p dir="RTL">وصلت شكاوى جديدة في عام 2006، عندما كان البابا بندكتس السادس عشر، وكان أمين سر الدولة الكاردينال تارشيزو بيرتوني. وفي هذه المرة يدخل كاهن سابق ومسيء للأطفال إلى الساحة، وهو غريغوري ليتلتون، والذي أنعش ذاكرته أمام سفير الكرسي الرسولي في الولايات المتحدة الأميركية (في تلك اللحظة كان المونسنيور بيترو سامبي) وقال بأنه تعرّض للتحرش الجنسي من قبل ماكريك (ودائمًا، فوق الـ18 عامًا). وقد أعدّ فيغانو ملاحظة للرؤساء، لكنهم لم يستجيبوا.</p><p dir="RTL">تجدر الإشارة هنا، إلى أنه في تلك الأثناء تقاعد ماكريك بالفعل: فقد وافق البابا الجديد بندكتس السادس عشر في 16 أيار 2006 على الاستقالة التي قدّمها في السنة السابقة، 7 تموز 2005، بسبب بلوغه السن القانونية (75 عامًا). فإن كانت الشائعات والشكاوى واسعة الانتشار، ومعروفة، فلماذا لم يتم فصل ماكريك عند وصوله لعمر 75 عامًا على الفور؟</p><p dir="RTL">في عام 2008، بدأت اتهامات جديدة تنتشر حول سلوك ماكريك غير السوي، ومرة جديدة، كما يشير فيغانو، بأنه أرسل ملاحظة ثانية إلى رؤسائه. وهذه المرة، يبدو أن شيئًا قد تحرّك، ولكن في الأوقات حيث كانت البيروقراطية في الفاتيكان بطيئة جدًا. في الواقع، تدّخل بندكتس السادس عشر ضد الكاردينال قبل تقاعده بأمر جزائي. لا يمكن أن يكون فيغانو صحيحًا بشأن تاريخ هذه العقوبة: ففي ذلك الوقت، ترك منصبه في الأمانة العامة للدولة، حيث كلّف بتنسيق عمل الفريق الدبلوماسي، وعيّن أمينًا للشؤون الداخلية. لذلك، إن كان فيغانو على حقّ، ويجب علينا أن نفترض أنه كذلك، فيفترض على بندكتس أن يأمر ماكريك بالانسحاب من الحياة العامة إلى حياة الصلاة، وبالتالي لم يعد يعيش في المعهد الإكليريكي &ndash; أم الفادي- التابع لجماعة الموعوظين الجدد <span dir="LTR">Redemptoris Mater</span> الذي افتتحه في واشنطن.</p><p dir="RTL"><strong>قيود غامضة</strong></p><p dir="RTL">لم يُنشر أمر بندكتس على الملأ، إنما ينقل شفويًا عن طريق سفير الكرسي الرسولي في واشنطن (سامبي)، ومن ثم إلى الشخص المعني. هل هو تساهل لكاردينال مسنّ حاليًا ومتقاعد لمن يرغب في تجنيبه العار بالعقاب العلني؟ أم أن الأدلة أمام البابا بندكتس السادس عشر لم تكن كافية، وبالتالي يجب أن يتم تنبيهه بشكل واضح لما ارتكبه ماكريك، وهذا في أصل العقوبة؟ كان البابا راتزينغر يدرك ذلك الأمر، لكنه اعتقد أنه كان كافيا أن يوصي الكاردينال المتقاعد وقتها بأن يبقى هادئًا ومتواريا.</p><p dir="RTL">من الجدير ذكره أنه لم يتطرق أحد من قبل، ناهيك عن الإدانة، بالحديث عن تجاوزات ضد الأطفال. نحن نتكلم عن تحرّش لأشخاص قد بلغوا سن الرشد، حيث يقوم أسقف بدعوة طلابه الإكليريكيين أو كهنة إلى الفراش، وهي في الواقع إساءة.</p><p dir="RTL">لا يوجد شيء يمكن وضعه على قدم المساواة، فقبل أن يكون اعتداء جنسيا، هو إساءة استخدام السلطة الدينية. و لم يقل أحد قط أنه تم دعوة إكليريكيين قريبين من الكهنوت وكهنة شباب إلى النوم معه، فلم يستخدم &quot;العم تيد&quot; (كما يسمي ماكريك نفسه) أشكالاً من العنف أو التهديدات. يمكننا أن نتساءل هنا: لماذا لا تفرض عقوبة نموذجية وعامة على الكاردينال، ويطلب منه اعتكاف حياة توبة؟</p><p dir="RTL"><strong>لماذا لم يشاهد أحد؟</strong></p><p dir="RTL">يشكك البعض في أن المضمون الحقيقي للعقوبات هي أكثر من شرعيتها، خاصة في ضوء ما حدث بعد ذلك. يشير تقرير فيغانو إلى أنه خلال السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة من حبرية راتزينغر كان ماكريك يعيش كناسك أو راهب حبيس، وأنه بعد انتخاب فرنسيس تم فتح قفصه. من جديد، يجب أن نتمسك بالوقائع الموّثقة، فهذا ليس هو الحال على الإطلاق، فالواقع مختلف، وموثوق وموثّق. وهو في متناول الجميع، فقط ابحث في المواقع. فخلال سنوات راتزينغر الأخيرة من حبريته، لم يغيّر ماكريك أسلوب حياته: صحيح أنه غادر المعهد الإكليريكي حيث كان يعيش، لكنه احتفل بالرسامات الشماسية والكهنوتية إلى جانب كرادلة هامين في الكورية الرومانية، ومعاونين مقربين من البابا راتزينغر. كما ألقى محاضرات.</p><p dir="RTL">وفي 16 كانون الثاني 2012، شارك مع أساقفة أمريكيين آخرين في مقابلة مع البابا بندكتس السادس عشر في الفاتيكان، وكان اسمه من بين المشاركين في النشرة الصادرة عن المكتب الصحفي للكرسي الرسولي. وفي 16 نيسان 2012، التقى بندكتس مرة جديدة في لقاء مؤسسة حبرية، واحتفل بعيد ميلاد البابا مع جميع الحاضرين. كما سافر وعاد إلى روما في شباط 2013 لتوديع البابا الذي استقال، وصافح يده بابتسامة (خلّدتها كاميرات تلفزيون الفاتيكان). من الواضح، أن موقفه لم يُعتبر خطيرًا للغاية، وأن مؤشرات الشعور بالذنب لم تُعتبر واضحة جدًا، وبالتالي فإنّ الجزاءات لم تكن مقيّدة.</p><p dir="RTL"><strong>وأيضًا، وَقَف فيغانو بجانب ماكريك</strong></p><p dir="RTL">حتى فيغانو نفسه، وفي أثناء تنحيته من الفاتيكان بقرار من البابا بندكتس السادس عشر، وتعيينه سفيرا للكرسي الرسولي في واشنطن، لا يبدو عليه القلق بشأن هذا الوضع على الإطلاق. فقد تم توثيق مشاركته في الأحداث العامة إلى جانب الكاردينال المتحرّش، مثل المشاركة في القداديس في الولايات المتحدة، أو تسليمه جائزة لماكريك (في 2 أيار 2012، في فندق بيير في مانهاتن)، وهي احتفالية لم يظهر فيغانو أي سخط أو حرج ليتم تصويره إلى جانب الكاردينال القديم المتحرّش. فلماذا الآن! بدلاً عن تلك السنوات عندما كان يمتلك السفير فيغانو سلطة الوصول مباشرة إلى بندكتس السادس عشر، كممثل له في واحدة من أهم المقاعد الدبلوماسية في العالم، لماذا لم يتحرك، أو يفعل شيئا، أو يطلب لقاءً، أو يطلب فرض أحكام تقييدية؟</p><p dir="RTL"><strong>توريط فرنسيس</strong></p><p dir="RTL">يدخل البابا فرنسيس الحالي، وهو الهدف الحقيقي للعملية بأكملها، إلى المشهد في حزيران 2013، بعد بضعة أشهر من انتخابه. وهنا نتذكر: بأن ماكريك لم يشارك في الكونكلاف، المجمع الانتخابي، (كون عمره يتجاوز الثمانين عامًا)، وهو متقاعد، لكنه كاردينال نشط؛ يستمر في السفر حول العالم، يلقي المحاضرات ويترأس الاحتفالات. يذهب فيغانو للقاء مع فرنسيس. وكان البابا هو من بادر لسؤاله حول ماكريك، وفيغانو ذكرّه بأن كاردينال أفسد &quot;أجيالاً من الإكليريكيين والكهنة&quot;، وبأنه يوجد في الفاتيكان ملف يشهد على ذلك.</p><p dir="RTL">لننتهبه: ليس فيغانو من يتحدث بطريقة مقلقة حول الكاردينال. إنما البابا من يطلب حكما. لا يقول السفير أنه قدّم لبيرغوليو مذكرة حول المسألة، أو طلب منه التدّخل. أما اليوم، فيكتب فيغانو غاضبًا على عقوبات بندكتس السادس عشر التي لا يعرفها أحد، لكن إن وجدت، لا يبدو أنه فعل ذلك لفرض مثل هذه الإجراءات. هذه الإجابة هي كل ما يقوله البابا.</p><p dir="RTL"><strong>ماكاريك المستشار؟</strong></p><p dir="RTL">ثم يكتب فيغانو، أن الكاردينال القديم قد أصبح في السنوات الأولى من عهد حبرية فرنسيس مستشاره، خاصة بالنسبة للتعيينات في الولايات المتحدة. هو لا يقدّم، على الأقل حتى هذه اللحظة، أية أدلة. وبدلاً من ذلك، فإنه يجادل (وهنا لا يوجد سبب لعدم تصديقه) بأنه في اللقاء الأول في حزيران 2013، أوصى البابا الجديد بما يلي: &quot;يجب ألا يكون الأساقفة في الولايات المتحدة أيديولوجيين، إنما يجب أن يكونوا رعاة&quot;. وبما أن ماكريك قد أدلى في الأشهر التالية بتصريح مشابه متحدثًا إلى مونسنيور في السفارة (وهو من أبلغ فيغانو بهذا التصريح)، فقد استنتج السفير السابق، الذي طالب باستقالة البابا، بأن ماكريك يقف وراء موقف بيرغولو تجاه الكنيسة في الولايات المتحدة.</p><p dir="RTL">إنه استنتاج ضعيف جدًا. في الواقع، من الأسهل والأكثر معقولية افتراض أنه بمبادرة من شخصه، فإن فرنسيس (العالم بأحوال الكنيسة الأميركية) قد كرر لأشخاص عديدين هذه العبارة، بأنه يجب &quot;ألا يكونوا أيديولوجيين&quot;، ولكن يجب أن يكونوا &quot;رعاة&quot;. علاوة على ذلك، يكفي أن ندرك بأن هذا الموضوع هو من أحد تعاليمه للأساقفة، ويكفي كذلك أن نقرأ خطاباته، كما والطريقة التي كان يفكر بها قبل كونكلاف عام 2013.</p><p dir="RTL"><strong>إنكار السفير السابق</strong></p><p dir="RTL">جاء استنتاج مثير للاهتمام لنظرية فيغانو، قدّمه السفير الأمريكي السابق في الكرسي الرسولي، ميغيل دياز، المعيّن في أيار عام 2009، والذي قال بإنه تفاجأ لقراءة شهادة فيغانو حول كلام فرنسيس للأساقفة الأميركيين، فقال: &quot; تذكرت على الفور اللقاء الأول مع المونسنيور سامبي (ممثل البابا بندكتس) في مقر إقامته في واشنطن العاصمة&quot;، حيث قال: &quot;جميعنا بحاجة إلى أساقفة في أميركا أقلّ سياسة وأكثر رعوية، وليسوا محاربين في حرب ثقافية&quot;. بذلك، وتحت إشراف البابا راتزينغر بالفعل، كانت الإشارة قد وصلت إلى السفارة البابوية إلى الولايات المتحدة الأميركية بتعيين أساقفة رعاة وليسوا &quot;محاربين ثقافيين&quot;. من الواضح أن السؤال المُلحّ حول الضمانية المفرطة لأبرشيات الولايات المتحدة بمواقف سياسية معينة، يرافقه اهتمام واحد فقط لبعض المسائل الأخلاقية، كان يُشعر على أنه إشكالية في نهاية حبرية راتزينغر.</p><p dir="RTL"><strong>الشكوى الجديدة</strong></p><p dir="RTL">مرت أربع سنوات ونصف، وفي عام 2018، ولأول مرّة، وصلت إلى الفاتيكان أخبار الإساءات التي ارتكبها ماكاريك ضد قاصرين، قبل قرابة خمسين عامًا عندما كان كاهنًا شابا. لم يتم تقديم أية شكوى من قبل، كما لم يسبق لأي شخص، وفقًا لتقرير فيغانو، أن تكلّم من قبل حول احتمالية إساءة معاملة القاصرين المتورطين في قضية ماكاريك. تم فتح إجراء قانوني منتظم من قبل أبرشية نيويورك بسرعة، مع نقل الوثائق إلى مجمع عقيدة الإيمان. كما كان هناك تقارير جديدة، عرفتها أبرشية نيوارك، بخصوص تسويتين لتعويض الأضرار دفعها ماكاريك، تتعلقان بمزاعم تحرشات قام بها إكليريكيون وقت وقوع الأحداث.</p><p dir="RTL">وبقرار لم يسبق له مثيل في تاريخ الكنيسة الحديث، لم يفرض فرنسيس مكاريك الصمت وحياة العزلة فقط (ذلك أن الصمت والانعزال عن الحياة التي لم تُفرض عليه من قبل، أو إن كانت قد فرضت عليه، ولا أحد يضمن أنه امتثل لهذه الأوامر)، إنما جرّده من رتبة كاردينال. ولم يعد كاردينال واشنطن السابق كاردينالا على الإطلاق.</p><p dir="RTL"><strong>حقائق مشوهّة.. والمنطق</strong></p><p dir="RTL">علينا أن نسأل أنفسنا ما إذا كان ما يقوله فيغانو صحيحًا (بدلاً من تكرار اسطوانة وسائل الإعلام، ودعوتها &nbsp;بصوت عالٍ لاستقالة البابا). ينبغي للمرء أيضًا أن يتساءل ما إذا كان التسلسل الموصوف من قبل فيغانو، واعتباراته، وإغفالاته، وتفسيراته معقولة، وتؤدي في الحقيقة إلى اسقاط بعض المسؤولية على البابا الحالي. وعلى جميع الأحوال، فإن الحقائق الصافية والنقية، وعلى افتراض أن كل التفاصيل التي قالها السفير السابق صحيحة، فما حدث هو كالتالي:</p><p dir="RTL">هناك بابا قديس، روّجت حاشيته (أقل قداسة بكثير) وجعلت من أسقف مثلي استغل سلطته للنوم مع إكليريكيين، كاردينالاً، حتى وإن لم يتضح حجم المعلومات التي وصلت مباشرة إلى أذن يوحنا بولس الثاني. ومن ثم لديه القدرة التامة على الفهم والإرادة لأولئك الذين، وبالتأكيد، لا يمكن أن يمرّ شيء دون أن يلاحظها أحد كأهمية تعيين رئيس أساقفة لواشنطن.</p><p dir="RTL">وهناك بابا آخر يظهر اليوم، بندكتس، الذي (وربما) طلب من هذا الكاردينال أن ينسحب من الحياة، لكن من دون أن تكون له القدرة على فرض أوامره، أو اعتراضه رغم مشاهدته في الفاتيكان، في مناسبات عديدة. وحتى أيضًا من قبل سفيره الرسولي في الولايات المتحدة (فيغانو) الذي لم يجد مشكلة في التقاط الصور بجانبه، وفي الاحتفال معه، وفي تناول العشاء برفقته، وفي إلقاء الكلمات بحضوره.</p><p dir="RTL">وأخيرًا، هناك البابا الحالي فرنسيس، الذي جرّد الكاردينال (رغم كبر سنه وتقاعده منذ بعض الوقت)، من رتبته الكاردينالية، بعد أن دعاه إلى حياة العزلة ومنعه من المشاركة في الاحتفالات العامة.</p><p dir="RTL">&nbsp;وبعد، إنها عملية منحازة، وهي جليّة لأي شخص يتأمل في تعاقب الأحداث، من دون الحاجة إلى إعادة النظر في معلومات الشخص فيغانو، والتي تميل إلى التشكيك. كل ذلك لأنّ فرنسيس &quot;تجرّأ&quot; وعيّن في اميركا مطرانا اقل تحفظا من المعيّنين سابقا، في وقت كرادلة مثل برنادر لوو الذي كان يستشار في التعيينات الأمريكية. انها عملية مزدوجة: وهي واضحة لكلّ من يفكّر في تسلسل الاحداث، دون الحاجة الى تحرّي المعلومات التي تتجّه نحو جعل فيجانو اقل مصداقية.</p>