موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٥ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠
حراسة الأراضي المقدسة في مصر.. دير الآباء الفرنسيسكان في الموسكي

حراسة الأراضي المقدسة :

 

استطاع حارس الأراضي المقدسة الأب باولو دا لودي، في 21 نيسان من عام 1632، الحصول على بيت للرهبان الفرنسيسكان، من قنصل البندقية، جوفاني دوناتو، للقيام بهام الخدمة في القاهرة. وبعد مرور 400 عام، لا تزال حراسة الأراضي المقدسة مقيمة وتعمل في العاصمة المصرية من خلال دير الموسكي التابع لها هناك.

 

كانت مصر دائمًا بمثابتة حاضنة لأهم أحداث الكتاب المقدس والتاريخ، بدءًا من تاريخ شعب إسرائيل الذي يرويه سفر الخروج، وحتى هروب العائلة المقدسة إلى مصر، مرورًا بقصة اللقاء الذي جمع القديس فرنسيس بالسلطان الملك الكامل قبل 800 عامًا، والذي تم الاحتفال به السنة الماضية.

 

وقال الأب وليم فلتس ماكار، رئيس دير الموسكي الذي يقيم فيه باستمرار أربعة من الرهبان: "يوجد لدينا اليوم في دير القاهرة، مركز يدعى بالمركز الفرنسيسكاني للدراسات المسيحية الشرقية، والذي يمثل منذ عام 1954، نقطة التقاء تجمع بين الشرق والغرب. يعتبر حضور الحراسة في مصر أمرًا مهمًا جدًا، ويشكل دير الموسكي جسرًا يربط بين إقليم رهبانية الإخوة الأصاغر في مصر وحراسة الأراضي المقدسة".

 

ففي سنوات التسعينيات، وعندما أصبح إقليم الرهبنة الفرنسيسكانية في مصر مستقلاً بعد أن كان في السابق جزءًا من الحراسة، قررت رهبنة الإخوة الأصاغر إبقاء دير الموسكي تابعًا لرهبان الأرض المقدسة، الذين استمروا في إدارة مركز الدراسات والمكتبة التابعة له. تحتوي المكتبة الكبيرة على أكثر من ثلاثة آلاف مجلد ومجموعة من المخطوطات الشرقية المكتوبة باللغات العربية والسريانية والقبطية والأرمنية والتركية والفارسية.

 

ويحتوي الدير على أرشيف تاريخي كبير، كما أنه يسهر على خدمة رعية انتقال العذراء، التي تضم مجموعة صغيرة من المسيحيين التابعين للطقس اللاتيني. كان دير الموسكي في الماضي يعتبر أكبر رعية لاتينية في القاهرة، بسبب وجود مجموعة كبيرة من الأجانب آنذاك في القاهرة، وكانت الرعية منقسمة إلى ثلاثة فروع: القديس يوسف وبولاكو ومعادي، التي تحولت لاحقًا إلى رعايا مستقلة. كان هنالك في السنوات الأولى من القرن العشرين، مجموعة مكونة من 20 ألف مؤمن، وصل عددهم فيما بعد إلى 45 ألفًا، من الإيطاليين والمالطيين والنمساويين والسلاف والفرنسيين ومسيحيي الشرق أيضًا.

 

ويتابع الأب وليم قائلاً: "تقلص اليوم عدد المسيحيين اللاتين، وبشكل كبير، ويعود السبب في ذلك إلى الثورة المصرية التي اندلعت في عام 1952، وقام الكثير من الأجانب بمغادرة مصر على إثرها. أما اليوم، فإن الجماعة اللاتينية الأكثر نشاطًا هي تلك التي تضم مسيحيين من السودان".

 

وتستقبل رعية الإنتقال العديد من الأقباط الكاثوليك، وهي تمتلئ بالمؤمنين خاصة في أيام الأعياد. وأردف الأب وليم فلتس، وهو كاهن الرعية أيضًا، قائلاً: "احتفلنا هذا العام، ولأول مرة بعد مرور عشرين عامًا، بسر العماد. قمنا أيضًا باحضار ذخيرة القديسة ريتا وتنظيم احتفال لإنعاش الرعية. كما ونهتم أيضًا بحياة الأسرار لدى راهبات الراعي الصالح والراهبات مرسلات قلب مريم الطاهر".

 

يهتم الرهبان التابعون لحراسة الأراضي المقدسة هناك بمساعدة أشد الناس فقرًا، من خلال التبني عن بعد وتقديم الدعم المالي للمرضى، مع إمكانية استقبال طلاب أجانب ممن يقيمون في القاهرة. ويتابع رئيس الدير: "نقدم كذلك مكانًا مؤقتًا للإقامة، لعائلات وأصدقاء المرضى الذين يتوجهون إلى مستشفيات متخصصة بمعالجة السرطان، بالقرب من دير الموسكي. ونحاول تقديم بعض العزاء لهم، ومساعدتهم ماليًا وتأمين مكان يرتاحون فيه. ومع الأوضاع الناشئة عن انتشار فيروس كورونا، فإن العديد من الأشخاص لا زالوا يتألمون اليوم. لم تكن لدينا هنا أية إصابة، لكن أمورًا كثيرة قد تغيرت. فكأبناء للشرق، نحن معتادون على تقبيل التماثيل والأماكن المقدسة، لكننا أضحينا مجبرين على أخذ مسافة من ذلك خلال هذه الفترة. وكذلك الأمر بالنسبة لزيارة الأصدقاء والأهل".

 

وتعتبر العلاقات مع المسلمين جيدة جدًا، ويعود الفضل في ذلك أيضًا إلى النشاط الأكاديمي الذي يتم في مركز الدراسات، ولوجود العديد من الأعمال المتعلقة بالدراسات الإسلامية في المكتبة. وأوضح الأب وليم قائلاً: "يطلب الكثيرون زيارة مكتبتنا في إطار دراستهم على مستوى الدكتوراه ولانجاز أبحاث التخرج على مستوى الماجستير أيضًا. وغالبًا ما يحتاج هؤلاء لمساعدة اخوتنا الرهبان، الذين يتمتعون بتقدير كبير في المجال الأكاديمي. ويشتهر في مجال الدراسات الشرقية العديد من الإخوة من بينهم: الأخ منصور مستريح المتخصص باللغتين اللاتينية واليونانية، والأخ وديع عوض ابو الليف، الخبير في اللغة القبطية ومستشار البابا توادروس، والأخ فينشينسو يانيلّو، مدير مركز الدراسات والمكتبة والأرشيف الذي يتمتع بقيمة كبرى.

 

ورغم الالتزامات الكثيرة، يحرص الإخوة التابعون للحراسة في القاهرة على عدم اهمال الحياة الأخوية في الجماعة، والصلاة المشتركة اليومية. واختتم الأب وليم فلتس ماكار حديثه لموقع حراسة الأراضي المقدسة قائلاً: "كانت نعمة بالنسبة لي أن أنال قبل فترة قصيرة، إذنًا للشروع في هدم بناء متروك منذ سنوات عديدة، يقع على بعد مائتي متر من الدير. حصلنا على التصريح أخيرًا، ويجب علينا الآن التفكير في مستقبل قطعة الأرض هذه، لأجل القيام بمشروع جميل من أجل مصر".