موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٣ ابريل / نيسان ٢٠١٩
جامع روما الكبير والحوار الديني

إميل أمين :

هل تحولت ايطاليا بالفعل أو هي على الأقل في طريق تحول كبير من القناعة والاقتناع بالحوار والجوار مع الآخر، وفتح نوافذ التلاقي، إلى فلسفة حياة "الغيتو" الانعزالية، والتي تفضل الاحادية الذهنية الواحدة، وترفض التلاقي مع الآخر أو التقارب منه، ما يعود بنا من جديد الى دائرة الخطر الاعظم، وحروب الذات المنتفخة؟

معروف أن روما تاريخيًا كانت ولا تزال عاصمة الكاثوليكية حول العالم، والمعروف أيضًا أن المؤسسة الفاتيكانية كانت هي أول من فتح الأبواب واسعة من خلال المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في ستينات القرن المنصرم على الحوار مع اتباع الاديان التوحيدية، وكذا مع مريدي الشرائع والنواميس الوضعية.

لكن أوروبا اليوم، وفي القلب منها ايطاليا بنوع خاص، تعاني حالة من حالات المد اليميني المخيف، ذاك الذي يتصاعد الى اعلى عليين، رافضا فكرة الجسور، ومفضلا عليها فلسفة اقامة السدود العازلة والحاجزة، الامر الذي لا يبشر بالخير في قادم الايام.

تبقى أوروبا اليوم على مرمى ايام قليلة من انتخابات حاسمة وحازمة للاتحاد الاوروبي، وهناك مخاوف كبيرة جدا من ان تهيمن تيارات اليمين الاوروبي، سواء يمين الوسط او اليمين المتطرف على البرلمان القادم، الامر الذي سينعكس نارا وحرائق على السبائك الاجتماعية في الداخل الاوربي عامة والايطالي خاصة.

في هذه الاجواء الشقاقية لا الوفاقية، انعقد في العاصمة الايطالية روما مؤتمر "المشاركة في المجتمعات"، وذلك في جامع روما الكبير، وذلك ضمن مشروع "أفق"، الرامي الى منع الارهاب والتطرف من خلال الرواية المضادة، والذي ينسقه "الاتحاد الاسلامي الايطالي".

ما الذي يهدف اليه هذا المؤتمر؟

بحسب البيان الصادر عن مسجد روما الكبير، والذي يسعى حاليًا إلى لعب تنويري في الداخل الايطالي، عبر فتح القلوب وليس الابواب فقط للاخر المغاير ايمانيا وعرقيا، يهدف الى خلق تآزر بين المشاركين في المشروع واصحاب المصلحة من اعضاء المجتع المدني والمؤسسات والخبراء والمجتمعات الدينية، على اساس مبدأ "تحقيق الهدف ليكون مثالا يقتدى به"، من اجل وضع اللمسات الاخيرة على اهداف واساليب البحث المستمر، وجمع المعلومات وتطوير الممارسات التي تهدف الى اثراء وتعزيز اهمية وتاثير المشروع.

لا يمكن للمرء أن يوفر رمزية اختيار جامع روما الكبير ليكون موقع عقد المؤتمر، إذ لا يخفى على احد ان موجات عنيفة تضرب الحضور الاسلامي في اوروبا، اما الاولى فهي الاسلاموفوبيا التاريخي منها والحداثي، بل ان هناك من يفتح الملفات القديمة ويستخرج منها العقبات الانسانية التي تعيق التواصل بين الامم والشعوب، ولا سيما بين العالمين العربي والغربي، الامر الذي رايناه متمثلا باسوا صورة في حادث نيوزيلندا الاخير.

وعطفا على الاسلاموفوبيا، فاننا نجد انفسنا في مواجهة كارثة اخرى وهي الاكزنوفوبيا، أي الخوف والترهيب من المهاجرين واللاجئين، وقد كانت اوروبا في السنوات الاخيرة محط الرحال للكثير من المعذبين والمضطهدين في المنطقة الشرق اوسطية، هولاء اليوم ربما يعانون من النظرة غير الانسانية والمتدنية جدا من الناحية الانسانية، ناهيك عن المعاناة التي يلاقونها في حياتهم اليومية ومن اجل الحصول على فرصة عمل، اما اشكالية الاندماج فلا تزال بعيدة جدا.

في هذا السياق يذهب منظمو الحدث الى ان قرار تنظيم المؤتمر في جامع روما، ياتي انطلاقا من كونه مكانا للحوار والتعليم دائما، ويستند الامر الى الحاجة للاستماع الى اصوات جديدة، وكذلك التعامل مع اهم اصحاب المصلحة الملتزمين بالموضوع.

الاهمية الكبرى للحوارات التي تقوم بين اتباع الاديان المختلفة لا سيما التوحيدية منها، انها تعطي الجميع فرصة معمقة من اجل اعمال العقل والتحليل والمنهجية في النصوص الدينية.

الاشكالية الحقيقية التي يقابلها التطرف الديني يميني أو أصولي، هي ايديولوجية في واقع الامر مبنية على فهم النصوص وتأويلها، من دون سياقاتها التاريخية، ومن هنا تأتي التفسيرات الخاطئة التي تشوه الاديان وتضر بالجميع، حيث يستند هولاء واولئك الى نصوص وادبيات موجودة في كتابات قديمة، كانت لها نطاقاتها وسياقاتها التاريخية المعروفة.

مؤتمر جامع روما الكبير يأتي فرصة طيبة لتوضح المرجعيات الموثوقة الرؤية الدينية الحقيقية غير المنحولة، لمواجهة الكراهية والعنف ومعالجة التطرف والارهاب في العصر الحديث، عبر الاعتدال واعمال العقل والتحليل والمنهجية في فهم النص.

الحوار هو الحل، والكراهية لا تفيد.

(المراقب)