موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢٦ فبراير / شباط ٢٠١٨
ثقافة المحبة والانفصام

رمزي الغزوي :

في مرايا القاعدة الشعبية الذكية: (يريدون من أولادهم أن يحكموا زوجاتهم، ويريدون من بناتهم أن يحكمن أزواجهن) يمكنك أن تجمعَ صوراً حقيقية، على عكس ما تقرُّ به الفيزياء، وصوراً أخرى وهمية، معتدلة، أو مقلوبة أو معكوسة جانباً.

يمكنك فعل ذلك لو أنك قرأت القاعدة السابقة من زاوية (الكيل بمكيالين)، أو الرؤية بعينين غير مؤطرتين بنظارت معتمة، كي نخفف قليلاً من التسمية المؤلمة الواخزة، التي لا تخرج أبداً عن دائرة مرض الشزفرينا (الانفصام).

قبل أيام أرعبني، أن جلَّ الذين ألهبوا مواقع التواصل الإجتماعي، وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، على الخطأ البسيط العابر، الذي وقع فيه الزميل صلاح العجلوني خلال قراءته نشرة الأخبار. جل هؤلاء نددوا بالعقوبة التي فرضتها عليه إدارة مؤسسة التلفزيون. وأعتقد جازماً لو أن العقوبة لم تقع؛ لظلت القضية علكة في فم تلك المواقع، تلوكها لوك (الهيطلية).

بالطبع لم ألمح من ذلك العدد الجرّار المهول الذي تابع القضية من أن للتلفزيون الأردني متابعين بهذه الكثرة الكاثرة، لسبب بسيط، أننا نعرف أن التجييش عبر مواقع التوصل لا يتم من خلال قناعة الشخص به في كثير من الأحيان، بل يتم على سبيل المشاركة بالأمر، أو الفزعة، أو على حسبة الهبة، وقاعدة معاهم معاهم، و(وين راحو النشامى).

بكل تأكيد أنا ضد عقوبة الزميل، فالخطأ الذي وقع فيه يحدث كثيراً في مؤسسات إعلامية كبرى، وكان بإلإمكان أن يمر بلا ضجيج، ولو أن ثقافتي المسامحة والمحبة كانتا سائدتين في مجتمعنا. مع أن هناك اناسا تدرك أن بناء المجتمعات المتمسكة الكبيرة، لا يكون إلا بالترفع عن صغائر الأشياء، وتلتمس الأعذار، وتقبل بعض الكبوات.

نحن نقاتل ونخاصم ونعادي حتى يصل مرشح عشيرتنا إلى كرسي النيابة، وقبل أن يسخن تحته نبدأ بشتمه ونطالب بخلعه، أو حل المجلس برمته لأجله، نعم نحن بحال أو بآخر، نريد من أبنائنا أن يكونوا أسياداً في بيوتهم، يحكمون زوجاتهم، ومن بناتنا أيضا أن يحكمن أزواجهن.

الأهمية المخفية لمواقع التواصل الإجتماعي أنها كشفت المستور، وغاصت في خبايا النفوس، فلاح لنا أننا نعاني نقصا حاداً في ثقافة المحبة؛ كي لا أقول أننا مجبولون بثقافة الكره والسخط والعداء.

وأنا لا أرى أن هذا المرض فالج لا يعالج، بل أرى أن الفرصة متاحة أيضاً من خلال تلك المواقع، بعد أن نعمل بذكاء على إعلاء قيمة الحياة والمحبة والتسامح، وأن نحاول قراءة الاشياء الجميلة في الآخرين، قبل أن ننبش هفواتهم ومعالم قبحهم. الأمر صعب جداً، ولكنه غير مستحيل.

نقلا عن الدستور الأردنية