موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الأربعاء، ٢١ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٨
ثقافة الشكر في عيده الأميركي

واشنطن – بشار جرار :

<p dir="RTL">منذ دراستي اللغة الإنجليزية في الجامعة الأردنية ومن بعد عملي في التلفزيون الأردني والتعاون مع المركز الثقافي الأميركي في إعداد برنامج أسبوعي يتضمن مواد مقدمة بالمجان من المركز للمشاهدين -قبل عصر الفضائيات- تعرفت على عيد الشكر. لم أكن لأسمع بهذا العيد رغم دراستي على أيدي راهبات الكلدان ورهبان الفرنسيسكان في الكويت وعمّان. كل ما أحمله من طيب الذكريات هو ذاك الصليب المرتفع وسط الصف المدرسي بعد تحيتنا جميعًا العلم. لحظات دعاء إلى العلي القدير كانت في صدورنا دون كلمات تعكر صفوها جنسيات أو إثنيات. في تراسنطة &ndash; صرح خدام الأراضي المقدسة التربوي التعليمي&ndash; زاملت أردنيين علمت بعد دخولي إلى سوق العمل أنهم من شتى المنابت والأصول، وأخوة من &quot;بلاد العرب أوطاني&quot;، فلسطيني وسوري ولبناني وعراقي وجزائري وحجازي (المملكة العربية السعودية)!</p><p dir="RTL">مضت الأيام وكرمتني مؤسستي بإيفادي إلى الولايات المتحدة في برنامج الزائر الدولي للصحافيين. فكانت المرة الثانية التي أتعرف بها عن قرب على الثقافة الأميركية. من ضمن ما تمت الإشارة له بافتخار الثقافة الأميركية الحريصة على قيم الشكر والتسامح والمحبة والسلام. المتحدث كان سفيرًا متقاعدًا أمضى أربعة عقود في العمل الدبلوماسي كسفير في العديد من الدول الإفريقية. ما زلت أذكر جثوه على ركبتيه وهو في العقد السابع من العمر لالتقاط صورة ما زلت احتفظ بها في ألبوم أيام العمر الجميلة.</p><p dir="RTL">صدمتنا الحياة بأفعال دعاة الكراهية والإقصاء والتمييز والتعصب والإرهاب باعتداءي الحادي عشر من سبتمبر. من ضمن ردود الأفعال الأميركية المدروسة كانت الاستجابة لتساؤل الكاتب الصحافي الكبير توماس فريدمان: لماذا يكرهونا؟ فكانت معركة &quot;كسب العقول والقلوب&quot; في مرحلة &quot;من لم يكن معنا فهو ضدنا&quot; حتى تطورت إلى معركة &quot;العالم كله ضد الإرهاب&quot; فيما وصف بالحرب العالمية الثالثة! من أسلحة المواجهة، بطبيعة الحال، الإعلام، فجاءت قناة الحرة الأميركية لتطرح الأخبار بشكل موضوعي، صحافة حرة ولكن برسالة ومهمة مفادها أن العرض الحر للأخبار والأفكار سيثري النقاش مما يؤكد حتمًا إلى انتصار الحق على الكذب والجمال على القبح والخير على الشر. قد تكون رؤيا مثالية، لكنها حتمًا مراد كل خيّر في هذا العالم الممتلئ شرًا وقبحًا.</p><p dir="RTL">في كل عيد شكر احتفلت به وأسرتي كأميركي أردني، أذكر مدى حرص الدبلوماسية الأميركية العامة -الذي أتشرف بخدمتها- على تقديم هذا العيد للعالم تجسيدًا لتاريخ الأمة الأميركية ورسالتها إلى العالم الجديد. القصة بدأت باجتماع هندي أحمر مع أميركي أبيض &quot;مستوطن&quot; على مائدة الحصاد المثمر لعملهما معًا. زرعا خيرًا فحصدا خيرًا، حل السلام، وتفرغا لبناء وطن للجميع لا مستوطن فيه ولا أصيل، لا وافد ولا مقيم، لا شرقي (الأطلسي) ولا غربي المحيط! أقر بأنه من السهل الطعن في هذه الصورة ووصفها بالساذجة و&quot;الاستعمارية الإمبريالية&quot;... إلى آخر الأسطوانة المشروخة!</p><p dir="RTL">ما علينا، فما يعنيني أنه ومع كل عيد شكر نعد له برنامجًا أو قصة إخبارية &quot;فيتشر&quot; أو وجبة نستضيف فيها الأصدقاء والجيران أو يسبقونا بكرم الاستضافة وفضل السبق، نتحدث في كل شيء إلا أصل العيد، وإن حدث فلا أكثر من بضع كلمات ونمضي كلنا إلى ما لذّ وطاب!</p><p dir="RTL">عام بعد عام حتى &quot;قبّعت&quot; معي بمحبة وحدثت مضيفي الأميركي &quot;الأصلي&quot;: الشكر الأصلي والأكبر بدء من &quot;عندنا&quot; من الأردن، من نهر الأردن حيث المعمودية، ومن الأراضي المقدسة شرق النهر وغربه، شماله وجنوبه. صراع الخير والشر حسم مرارًا حتى اكتمل في القدس. كل قرابين الشكر قدمت حتى اكتملت الرسالة بانتصار الحياة على الموت فكان الذبيحة العظيمة والقيامة الكبرى.</p><p dir="RTL"><strong>أفلا نشكر</strong>؟</p><p dir="RTL">هذه بعض المبادرات الفردية والمجتمعية الأميركية تعبيرًا عن الشكر وبشكل غير موسمي:</p><p dir="RTL"><strong>الشكر عبر الخدمة</strong>: خدمة الآخر المجهول وبالخفاء. لي جار يجزّ العشب طواعية في طريق الحي الرئيسي وآخر يقوم بالتقاط النفايات أثناء ممارسته رياضة المشي مرتين يوميًا. بالمقابل، هناك مشاريع كشفية وأخرى لأندية خيرية تتبنى خدمة الشوارع ودور العجزة والمسنين والمعنفين أسريًا والمتعافين من الإدمان (الكحول والمخدرات) وخريجي مراكز الإصلاح والتأهيل.</p><p dir="RTL"><strong>الشكر عبر المحبة</strong> وللمحبة أشكال شتى من أعظمها تقديم المحبة دون مقابل تارة بالخفاء لتعميم الخير، وتارة بالعلانية لتخصيصه وتشخيصه. من تلك المبادرات قيام زبون بدفع فاتورة من يليه بطابور الانتظار. تخيل أن يدفع أحد فاتورة فنجان قهوتك الصباحية أو وجبتك السريعة بعد يوم منهك أو تسوقك الأسبوعي بعد ميزانية &quot;لا يعلم فيها إلا الله&quot;.. أسارع فأقول ردًا على تساؤل لوجستي مبرر، بأن الدفع عبر بطاقات الائتمان وحتى نقدًا يمكن الزبون من القيام بذلك دون معرفة حساب من يليه.</p><p dir="RTL">في عيد الشكر، لنذكر من دفع الحساب كله مقدمًا لنا جميعًا ولذريتنا حتى نلقاه وجهًا لوجه. كثيرًا ما نبدأ صلاتنا السرية أو العلنية بلائحة مطالب، وفي عيد الشكر هذا أطلب من الله أن يعلمنا شكره على ما أعطى ويعطي. إلى الرب نشكر.. آمين.</p>