موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٢٩ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٢
تهنئة للأقباط فى أعيادهم

كرم جبر :

نقلاً عن "اليوم السابع"

سأقول لأصدقائى وجيرانى وكل أبناء مصر الأقباط "كل سنة وأنتم طيبين" فى كل مناسبة، ولا تلزمنى أبدا الفتوى التى لا تحلل ذلك وتعتبره حراماً، فنحن شركاء وجيران فى وطن واحد، دخلنا مدرسة واحدة فى الصغر، ونسكن معا فى نفس العمارة والشارع، وأعز أصدقاء أبى وأحمى رحمة الله عليهما كانوا من الأقباط، وعشت مرحلة طفولتى وشبابى فى الصعيد، فى زمن التلاحم الوطنى الجميل الذى اختفت فيه العرات الدينية والطائفية، ولم نكن نسمع نغمة مسلم ومسيحى فالمساجد والكنائس متجاورة، والأطباء الذين كانوا يعالجون المسلمين قبل الأقباط هم الدكتور أنطون والدكتور سنادة والدكتورة ثريا متياس والدكتور وليم الملاح، وعندما كان المرضى العواجيز من المسلمين يسألون الدكتور نصيف المسيحى "نأكل إيه يا دكتور فى العيا؟"، كان يرد بخفة دم "كلوا أى حاجة إلا أجرة الطبيب".

كيف أدير ظهرى لهم ولا أهنئهم فى أعيادهم ومناسباتهم السعيدة ومن الذى يجبرنى على ذلك، ولماذا الإساءة للإسلام بمثل هذه الفتاوى الغريبة، التى تجافى سماحة الأديان وسموها وأهدافها النبيلة فى نشر السلام والمحبة والرحمة والوئام والتعاون والتقارب بين البشر، وليس الجفاء والقطيعة والخصام وبث الفرقة والكراهية، وهل مصر فى حاجة إلى لم الشمل والمصالحة وطمأنة شركاء الوطن، وأنهم مثل إخوانهم المسلمين فى الحقوق والواجبات، أم إثارة مثل تلك النعرات التى لا نفع من وراءها بل كل الضرر والإساءة، وما الذنب الذى يقترفه المسلم إذا هنأ جارة القبطى بالعيد، وما الذى يضير المسلمين إذا ذهبوا لإخوانهم المسيحيين فى بيوتهم وكنائسهم وقالوا لهم: "كل سنة وأنتم طيبين"؟

لا تلزمنى مثل هذه الفتوى وسأبادر بتهنئة المسيحيين فى كل مناسبة، هكذا تعودت منذ نعومة أظافرى حتى الآن، فى المدرسة والجامعة والبيت والشارع والنادى والعمل، ولم أسمع فى يوم من الأيام أن ذلك حرام، فهل اكتشف أصحاب الفتوى فى هذا التوقيت بالذات أن تهنئة المسيحيين فى أعيادهم حرام، بينما البلاد فى أمس الحاجة إلى الهدوء والاستقرار واللحمة ووحدة الصف، لاجتياز الأزمات الخانقة وعبور النفق المظلم، وكيف يحدث ذلك وهناك من يشعل الفتن وبؤجج الحرائق، ويستنفد رصيد التعايش التاريخى بين المسلمين والأقباط ويورطهم فى معارك ظلامية، تزيد فى القلوب والعقول مواجع التفرقة والشعور بالاضطهاد لدى الأقباط، بدلا من نقول لهم أن مصر بلد الجميع وتتسع للجميع.

سأقول لكل الأقباط "كل سنة وأنتم طيبين"، وأذكّر أصحاب الفتوى المضادة بأن المستعمر البريطانى فشل فى زرع الفتنة بين المسلمين والأقباط، عندما أرسلت الحكومة البريطانية اللورد كرومر إلى مصر لقمع المقاومة الشعبية ضد الإنجليز، عن طريق الوقيعة ودق الأسافين وإشعال الفتن بين عنصرى الأم، وأرسل لحكومته بعد سنوات ينعى اليها فشل مهمته، ويقول: "ذهبت إلى مصر فلم أجد فيها سوى مصريين بعضهم يذهب إلى المساجد وبعضهم يذهب إلى الكنائس، ويستحيل أن تجد فارقا بينهم"، واختلطت دماء المسلمين والأقباط على تراب مصر لتحريره والدفاع عنه، واقتسموا الأفراح والأحزان والانتصارات والانكسارات والمسرات والشدائد، وتبادلوا التهنئة فى مختلف المناسبات.

التهنئة للأقباط فى أعيادهم فلا أحد يستطيع أن يمنع ذلك، وكنت أتمنى ألا تتزامن هذه الفتوى الغريبة مع اليوم الأول لنفاذ الدستور الجديد، حتى تهدأ المخاوف وتطمئن القلوب ولا يتولد لدى الأقباط شعور بأن الإسلاميين بدأوا مرحلة استعراض العضلات، وتفعيل المواد المفخخة التى تمس حقوقهم وعقيدتهم.. كنت أتمنى أن يستبدلوا فتواهم بالدعوة إلى المحبة والسلام وليس الكراهية والخصام، وأن ندع جانبا كل موروثات التفرقة والتمييز، فإذا لم نهنئهم فى أعيادهم فلن يهنئونا فى أعيادنا، ويجب أن نحافظ على مساحة التسامح الناعمة التى تبطل مفعول الفتن والمشاكل والأزمات.. التهنئة لهم حتى يطمئنوا أننا نحترم أعيادهم وكنائسهم وطقوسهم ومناسباتهم، ونشاركهم فرحتهم واحتفالاتهم ونقول لهم: "كل سنة وأنتم طيبين".. هكذا كنا وسوف نظل.