موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٤ يوليو / تموز ٢٠١٨
تكريم دولي مستحَق

د. نبيل الشريف :

خصصت وسائل الإعلام الدولية الرئيسة مساحات واسعة من تغطيتها لأحداث العالم لخبر فوز جلالة الملك بجائزة ( تمبلتون) العالمية المرموقة التي تمنح تقديرا لأشخاص يقدمون إسهامات مبدعة وجديدة في مجال الأديان، مثل الأعمال الخيرية، أو إنشاء منظمات فكرية تثري الجانب الروحي، أو المساهمة بشكل بناء عبر وسائل الإعلام في الحوارات المتعلقة بالدين والقيم الإنسانية الإيجابية.

فقد نشرت مجلة ( إيكونومست) المعروفة على سبيل المثال تقريرا في عددها الأخير قالت فيه إن هذا الإعتراف بدور الملك الريادي في تعزيز ثقافة التسامح على الصعيد العالمي ودعم جهود الحوار بين أتباع الأديان على الساحة العالمية مهم جدا وإن يكن قد جاء متأخرا.

إن فوز جلالة الملك بجائزة (تمبلتون) يعد اعترافا بالدور الكبير الذي بذله جلالته على عدة محاورلدعم الحوار بين أتباع الأديان ولمواجهة الخلافات الفكرية والمذهبية في العالم الإسلامي من خلال عدة مبادرات جريئة وسابقة لأوانها حيث انطلق بعضها قبل أن يستفحل خطر المنظمات الإرهابية التي حاولت اختطاف الإسلام وتشويه حقيقته النقية السمحاء.

فقد أطلق جلالته رسالة عمان في عام 2004 والتي وقع عليها وتبناها مئتا عالم مسلم من خمسين بلدا واتفقوا فيها على عدم جواز تكفير كل من يؤمن بالله تعالى وبالرسول صلى الله عليه وسلم، واكدت الرسالة أن جوانب الإتفاق بين أصحاب المذاهب الثمانية أكثر بكثير من جوانب الإختلاف. كمأ أشارت إلى ضرورة الالتزام بمنهجية معينة في الإفتاء حيث لا يجوز أن يتصدى بها شخص لا يملك المؤهلات المحددة عند كل مذهب.

لقد نجحت رسالة عمان في جمع كلمة علماء الأمة على تعظيم الجوامع فيما بينهم ووضع حد لفوضى التكفير واستباحة دماء المسلمين وإطلاق الفتاوى من دون تأهيل علمي وشرعي.

ولكن جهود جلالته ومبادراته الفكرية لم تتوقف عند السعي الجاد لتوحيد كلمة المسلمين وتأكيد الجوامع بين المذاهب عوضا عن التركيز على الفروق الثانوية، بل تعدت ذلك إلى إطلاق مبادرة ( كلمة سواء) وهي عبارة عن رسالة مفتوحة كتبها عام 2006 مجموعة من دعاة الإسلام إلى كبار رجال الدين المسيحي برعاية مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي تدعو للسلام والتعايش بين المسلمين والمسيحيين، وتحض على إيجاد أرضية مشتركة بين المعتقدين قائمة على وصيتين، حب الله، وحب الجوار، حيث يتم عقد لقاءات دورية لتفعيل الحوار الإسلامي المسيحي.

وتواصلت مبادرات جلالة الملك لتعزيز الحوار داخل البيت الإسلامي وبين المسلمين وأتباع الأديان الأخرى فقد أطلق جلالته أسبوع الوئام العالمي بين الأديان، الذي جاء بعد تبني مبادرة جلالته بالإجماع من قبل الأمم المتحدة في شهر تشرين الأول عام 2010، منصةً سنويةً لنشر الوعي والتفاهم بين مجموعات حوار الأديان والنوايا الحسنة، عبر إجراء الأنشطة والفعاليات التي تعزز ذلك.

من الواضح أننا أمام عمل تراكمي دؤوب يؤسس لثقافة إنسانية جديدة تقوم على استبدال الحوار محل النزاع والصراع والتركيز على الجوامع أو القواسم المشتركة بدلا من تضخيم الفروق ونقاط التباين والإختلاف.

إننا أمام مكسب جديد تحقق للأردن بفضل الجهود المثابرة لجلالة الملك عبر سنوات، فجائزة تمبلتون ليست حدثا عاديا، إذ أن قائمة من فازوا بها تشير إلى شخصيات مرموقة فريدة قدمت خدمات جليلة للإنسانية من خلال إطلاق المبادرات في المجال الديني التي تقيم جسورا مع الآخر وتفتح أفاقا للأمل في عالم تسوده الصراعات ويطغى فيه صوت الإحتراب والإقتتال على كل صوت.

ولاشك أن القائمين على جائزة تبملتون أرادوا من خلال تكريم جلالة الملك لفت الأنظار إلى أهمية القيم التي كرسها جلالته بعمله الجاد ومبادراته التي لم تتوقف طوال السنوات الماضية، وكأني بهم يقولون إن العالم سيكون مكانا أكثر أمنا وتسامحا وسلاما لو أنه عزز القيم التي يكافح من أجلها جلالة الملك.

ولابد ختاما من توجيه التحية للمؤسسة الملكية التي شكلت إطارا حاضنا لهذه المبادرات الملكية في المجال الديني وهي مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي التي يرأس مجلس أمنائها سمو الأمير غازي بن محمد، كبير مستشاري جلالة الملك حيث يحرص سموه على أن يرقى عمل المؤسسة إلى مستوى تلبية طموحات جلالة الملك وتحقيق كل مايؤدي إلى تعظيم قيم المحبة في الله وحسن الجوار بين بني البشر.

(الرأي)