موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٢١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٨
تعليم الفنون في المدرسة

حسني عايش :

بغياب الفنون من المدرسة تصبح بلا معنى. إنها تتحول إلى صحراء قاحلة وتموت، أو – في أحسن الأحوال – إلى مركز اعتقال نهاري للأطفال يود أهلوهم أن يبقوا فيه بعيدين عنهم لأطول مدة ممكنة، والمعلمون والمعلمات لو يتخلصون منهم مبكراً، والأطفال لو يفرون منه أو يهربون.

في بحثي عن تعلم الفنون في المدرسة في العالم، توقفت عند المدرسة الأميركية، باعتبار واشنطن بعد لندن، مربط خيولنا، فوجدت أنها تعلم: الموسيقى، والغناء، والرقص، والمسرح، والفنون البصرية من رسم ونحت وهندسة معمارية، وأن الهدف الرئيس أو الكبير لذلك كله هو إدراك التلاميذ والتلميذات العلاقة بين هذه الفنون وبقية المواد المدرسية، وبالتالي بينها وبين الثقافات والحضارات، وأن هذه الفنون تتوزع على ثلاث مراحل أو مستويات وهي مستوى الروضة حتى الصف الرابع الإبتدائي (K-4) والمستوى المتوسط (5-8) والمستوى الثانوي (9-12).

أما الهدف أو المعيار أو النتاج الخاص بهذه الفنون فقد كان كالتالي:

الموسيقى والغناء: أن يعزف التلميذ/ة منفرداً أو في فريق على أدوات موسيقية مختلفة. وأن يبتكر ألحانا، وأن يؤلف ويرتب الموسيقى في أطر أو مؤشرات محددة، وأن يقرأ النوتة الموسيقية وأن يكتبها، وأن يعرف المعايير الموسيقية، وأن يطبقها والعلاقة بين الموسيقى، والغناء، والتاريخ، والثقافة، والحضارة.

الرقص: أن يعرف الحركات أو المهارات الحركية وأن يؤديها كما في كل رقصة، وأن يفهم مبادئ تنظيم الرقص وعملياته وبُناه، والرقص كطريقة لخلق المعنى وتوصيله إلى المشاهدين، وأن يطبق مهارات التفكير الناقد والخلاق في الرقص، وأن يفهم علاقة الرقص بالثقافات والفترات التاريخية المختلفة، والعلاقة بينه وبين الحياة الصحية.

المسرح: أن يستخدم مهارات التمثيل، ويتقن كتابة النصوص المسرحية، وأن ينتج مسرحيات رسمية وغير رسمية، وأن يخرجها، وأن يفهم الفرق بين المسرح، والفيلم، والتلفاز، والوسائل الإلكترونية، وأن يفهم الإطار الخاص بكل منها، وكيف يؤدي كُل منها رسالته.

الفنون البصرية: وتتجلى “بالرسم الذي ننظر فيه، والنحت الذي ندور حوله، والعمار الذي نمشي فيه”، كما يقول الفنان الأميركي دان رايس (1823 – 1900) وفي تعليمها يفهم التلميذ/ة ويطبق التقنيات والعمليات ذات العلاقة بكل منها، ويعرف كيف يستخدم البني الحسية، والمبادئ التنظيمية، والملامح التعبيرية، وعلاقة هذه الفنون ببقية المواد المدرسية، والتاريخ والثقافات.

تلك هي الأهداف أو المعايير أو النتاجات المتوقعة من تعليم الفنون في المدرسة، والتي تشتق منها الأهداف، والمعايير، والنتاجات الفرعية الخاصة بكل مرحلة أو مستوى.

ولكل من هذه الفروع فروع، ولكل منها وظائف شتى تخدمها، ولكل منها امتداده في التعليم العالي لدرجة أن جامعة هارفارد جمعت الفنون والعلوم في كلية واحدة للدراسات العليا وقدمت الفنون على العلوم فيها.

لكن هذا يجب ألا ينسينا الوجهين الآخرين للفنون: الأول أنه يوجد لدى كثير من التلاميذ والتلميذات ميول أو استعدادات فنية لا يجوز قمعها ومنع ظهورها بل تنميتها لتبلغ أقصاها في فنانين قد يصبحون عالميين وهم لذلك ملك للبشرية. والثاني أن الفنون والعمليات المتصلة بها مهن، وأعمال، ووظائف قد يكون دخل الواحدة منها أكبر من دخل أي مهنة أخرى.

يقول جيمس ثيربر الروائي الأميركي (1894 – 1961): “بدون الفنون تعاني الأمة من تعاسة ثقافية”. أما الفيلسوف البريطاني ألفرِد نورث وايتهيد (1861 – 1947) فيقول: “إن الفن يزدهر حيث توجد روح المغامرة”.
من العجيب والغريب تفاخرنا “بالدبكة التي قلما تتغير أو تتطور وبالغناء والرقص في الأعراس والفاردات لدرجة الدهس أو القتل من شدة الفرح، ومتابعتنا المتواصلة لبرنامج “حبيب أو محبوب العرب” التلفزيوني، والتعصب لابننا، أو بنتنا المشاركين فيه، وانطلاقنا بالسيارات والزوامير إذا فازا، وثم انقضاضنا على المدرسة عندما تحاول أن تفرح، فيا له من تفكير مريض، ويا أمة ضحكت من جهلها الأمم.

(الغد الأردنية)