موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٠ فبراير / شباط ٢٠٢٠
تعرّف على قصة الأب فيرغوس، عازف الأرغن في كنيسة القيامة
اسمه الأب فيرغوس كليرك، وهو راهب فرنسيسكاني يخدم في حراسة الأراضي المقدسة منذ أكثر من 20 عامًا
الأب فيرغوس كليرك الفرنسيسكاني (تصوير: نديم عصفور)

الأب فيرغوس كليرك الفرنسيسكاني (تصوير: نديم عصفور)

حراسة الأراضي المقدسة :

 

اسمه الأب فيرغوس كليرك، وهو راهب فرنسيسكاني يخدم في حراسة الأراضي المقدسة منذ أكثر من 20 عامًا. كثيرًا ما نسمعه يعزف على الأرغن في دير المخلص (مقر الحراسة في القدس) أو أثناء الإحتفالات الليتورجية في كنيسة القيامة. إلا ان دعوته لاعتناق الحياة الرهبانية الفرنسيسكانية في الأرض المقدسة، كانت دعوة خاصة جدًا وغير متوقعة.

 

يبلغ اليوم الأب فيرغوس من العمر 71 عامًا، وهو سيروي لنا قصته:

 

كيف سمعت الدعوة لاعتناق الحياة الرهبانية الفرنسيسكانية في حراسة الأراضي المقدسة؟

 

وصلت إلى الأرض المقدسة ولأول مرة عام 1994، حيث قمت برياضة روحية طويلة. كنت حينئذ كاهنًا، منذ سنوات طويلة، وقد أُعجبتُ بالرهبان الفرنسيسكان الذين قابلتهم في بيت لحم وخلال الدورة اليومية في كنيسة القيامة. كان اصغائي إلى أناشيد الرهبان وحده كافيًا لتحريك أمر ما في داخلي. وفي صباح أحد الأيام، وبالذات في 30 حزيران 1994، وكنت أتبع برنامج الرياضة الروحية، وجدت نفسي أمام بوابة الساكريستية الفرنسيسكانية في كنيسة القيامة، في مصلى المجدلية. وقد راودتني في الحال فكرة أن أصبح فرنسيسكانيًا في الأرض المقدسة. في تلك اللحظة، خرج راهب من الساكريستية، ثم أغلق الباب وذهب. شعرت وكأن نفسي كانت تكلمني. بدأت في تلك اللحظة مرحلة من الشعور بالقلق. وقد تحدثت في ذلك اليوم إلى الشخص الذي كان يعظ الرياضة الروحية، ومعًا اتفقنا على أن هذا الحدث لم يكن سوى تشتت، ونسيت كل شيء. في ختام الرياضة الروحية، توجهت إلى القبر المقدس للإحتفال بالإفخارستية. وبينما كنت انتظر خروج المجموعة السابقة، رأيت مجموعة من الفرنسيسكان يتحدثون مع بعضهم البعض، وقد أثر هذا المشهد بي من جديد. وفي اليوم نفسه، تحدثت مرة أخرى إلى واعظ الرياضة الروحية، وقد اتفقنا من جديد على أنه مجرد تشتت، فنسيت كل شيء مرة أخرى. وعدت إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث كنت كاهنًا في أحد الرعايا.

 

 

كيف استطعت بعد ذلك أن تسير في الطريق التي أشار إليها الرب من أجلك؟

 

ولدت في ايرلندا، وقد ذهبت إلى الولايات المتحدة الأمريكية للدراسة، ومكثت بعد ذلك هناك في احدى الأبرشيات للخدمة. إلا ان اندفاعي لكي أصبح فرنسيسكانيًا في الأرض المقدسة لم يتركني أبدًا أثناء الفترة التي عدت فيها إلى كاليفورنيا. وكنت أفكر في ذلك ليل نهار، ولمدة سنوات. بدأت لذلك مسيرة تمييز روحي. كنت سعيدًا بما أقوم به، لكنني شعرت بضرورة أن أتفحص هذه الرغبة التي أخذت تنمو في داخلي. وبعد ثلاث سنوات، تركت أبرشيتي للالتحاق بالرهبان الفرنسيسكان.

 

توجهت أولاً إلى إيطاليا لسنوات الابتداء. ورغم الصعوبات التي واجهتها، إلا ان الرغبة في أن أكون فرنسيسكانيًا لم تتركني أبدًا. كان لي من العمر حينها 49 عامًا، وكان هناك رهبان غاية في الشباب. وعندما كان الناس يسألونني عن السبب الذي يدفعني لأن أصبح راهبًا فرنسيسكانيًا في الأرض المقدسة، لم أستطع إلا ان أجيب بأن دافعًا قويًا كان في داخلي، وأنني لم اكن أستطيع التوقف. اليوم، وبعد مرور ثلاثة وعشرين عامًا، لم أشعر بالندم بعد! أشعر أن الرب باركني بطرق مختلفة، وإنني أحاول في كل يوم أن أكون راهبًا فرنسيسكانيًا جيدًا. أن يصبح المرء إنسانًا مسيحيًا وكاهنًا، هي عملية تحتاج إلى الوقت.

 

خدمت حراسة الأراضي المقدسة في أماكن عدة، وها أنت اليوم عازف للأرغن في دير المخلص والقبر المقدس. ما هو عملك بالتحديد؟

 

نعم، أنا في الأرض المقدسة منذ عام 1998، وقد أقمت حتى اليوم في عدة أماكن. كنت كذلك رئيسًا للجماعة الرهبانية المقيمة في القبر المقدس وللجماعة المقيمة على جبل نيبو. أما اليوم، فقد عدت إلى المكان الذي بدأت منه قبل عشرين عامًا: أي دير المخلص. كما أنني عازف مساعد في كنيسة القيامة وأقوم بالعزف خلال الدخلات الرسمية الإحتفالية. وعندما يتوجب علينا الاحتفال بفرض الليل، أي فرض القراءات الذي يقام في منتصف الليل، وهو أمر يتم أربعين مرة خلال السنة، أقوم بالعزف في كنيسة القيامة. كما وأقوم بالعزف على الأرغن أيضًا في قداديس الأحد وخلال الدورة اليومية بعد الظهر كما وفي صلوات الغروب الثانية أيام الأعياد. أعزف على الأرغن أيضًا في دير المخلص لصلوات فرض السحر يوم الأحد صباحًا، أو للسجود الذي يقام بعد الظهر.

 

تحدثت عن دعوتك الفرنسيسكانية، لكنك لم تتحدث عن "دعوتك الموسيقية". كيف بدأت؟

 

بدأت دعوتي الموسيقية خلال المدرسة الثانوية. كنت في المدرسة الداخلية التابعة للكلية، كما كانت العادة في تلك الحقبة، وكان في الكلية أرغن أنبوبي. كان الثالث عشر من شباط 1962، هو اليوم الذي بدأت فيه دروس العزف على الأرغن. ومنذ تلك اللحظة، استمررت في العزف خاصة خلال فترة إقامتي في المعهد الإكليريكي. قمت بعد ذلك بدراسة الموسيقى مدة خمس سنوات وحصلت على شهادة البكالوريوس من ايرلندا. وفي واشنطن العاصمة حصلت على شهادة الماجستير في الموسيقى الليتورجية. مارست مواهبي بأكبر قدر ممكن، وقد حالفني الحظ في ذلك.

 

ما الذي تحبه في خدمتك كعازف للأرغن؟

 

ليس من السهل العزف في الليل. هو أمر متعب إذ يحدث أحيانًا أنني أذهب إلى النوم في وقت متأخر، وقد يتوجب علي النهوض مبكرًا لصلاة الصباح. إلا أن هذه هي الحياة التي يعيشها الفرنسيسكان في كنيسة القيامة. أحب الخدمة التي أقوم بها، لأجل ما تقوله الكتب المقدس: "في نصف الليل أقوم لحمدك" (مزمور 119: 62). بينما ينام الناس، نحن نصلي من أجلهم. إنها جماعة صلاة، دعوتُها هي الصلاة من أجل العالم: من أجل الحجاج الذين يأتون لكنيسة القيامة ومن أجل من لا يستطيعون المجيء. هذا هو المكان الذي فيه يمكن للإيمان أن ينمو وأن يُعَبَّرَ عنه بصورة كاملة. من الجميل أن نلتقي بالأشخاص ونتحدث عن ايماننا.

 

كيف تود أن تصف لنا حياتك في الأرض المقدسة؟

 

لن أستطيع عيش هذه الحياة دون أن يكون لدي الإيمان، ودون إيماني بالقيامة. هنا، في الأرض المقدسة، أتيحت لي الفرصة أن ألمس حياة العديد من الأشخاص المختلفين، وقد بدا لي ذلك ميزة كبرى. أعود إلى الولايات المتحدة مرة كل سنتين، وهناك أحتفل بالقداس الإلهي، وقد تساءلت إن كنت قد ندمت على اختياري لترك رسالتي ككاهن رعية هناك والمجيء إلى الأرض المقدسة. والجواب هو لا، قطعًا. إنه بالتأكد أمر جميل، أن يعود المرء ويلتقي بأشخاص من الماضي، أشخاص زرعتُ فيهم بذرةً أنماها الروح القدس فيهم. كما أنني اُدرك ما هي صعوبات العيش في الأرض المقدسة. أما جوهر كل شيء، فيبقى الإيمان بقيامة يسوع.