موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر السبت، ٨ سبتمبر / أيلول ٢٠١٨
تعددت المهن والرسالة واحدة: نحن نخدم

واشنطن – بشار جرار :

بقدر ما آلمتني صور جامعة آل البيت ومدرسة الفيصلية، بقدر ما عزّيت النفس بجمال ردود أفعال الأردنيين في الوطن والمهجر على ما جرى. بقدر ما فرحت ببث موقع أبونا المباشر لقدّاس "رتبة القارئ" قبل أسابيع، بقدر ما همست قائلاً "عقبال" عند تلفزيونا الوطني ما يبث على الأقل قداس الأحد أسبوعيًا من كنائس الوطن على امتداد التراب الأردني الطهور الذي اكتسب اسمه من نهر النور والنار حيث المعمودية الخالدة. وبقدر ما يقلقني مصير "المدنيين الأبرياء العزل" في إدلب بقدر ما أتساءل لماذا لم أسمع أصوات التنديد عالية مجلجلة باكية متباكية على "المدنيين الأبرياء العزل" أيضًا من أبناء الوطن الواحد حيث حرّقت بيوت إخوتنا الأقباط القرويين ونهبت ممتلكاتهم المنزلية في أحدث جولة من العنف والإرهاب الطائفي الغوغائي هناك في "دمشاوا هاشم" بمحافظة المنيا في مصر المحروسة. "بأي ذنب قتلت" ونحرت المواطنة التي استكثروا عليها حق الصلاة في منزل خاص لعدم السماح ببناء كنيسة لهم في وطن كان يومًا ملاذًا لثلاثة لاجئين هم أفراد الأسرة المقدسة: السيد المسيح وأمنا مريم البتول ويوسف الراعي الأمين.

يتباكون على الأونروا ويرعدون ويزبدون على قطع واشنطن لمساعدات السنوية كورقة ضغط تفاوضية في "صفقة القرن"، ويتناسون تراث العقيدة والعروبة والجيرة في دعوة "الأقربون أولى بالمعروف" أين مليارات جماعة "والطريدة فلتت"؟ أين مروّجو شراء العقارات في تركيا إردوغان بضمان حكومة وزير المالية فيها صهره؟! لماذا يصلني هذا الإعلان الترويجي –إلكترونيًا– متسللا عبر فيسبوك ومن وراء آلاف الأميال البحرية كمغترب في واشنطن لشراء شقة لدعم معركة إردوغان مع ترامب؟! أوليس من الأولى الترويج لعقاراتنا في الوطن التي تراجعت أسعارها قبل أوانها الموسمي مع اقتراب فصلي الخريف والشتاء؟

هربت من كل تلك الأخبار المنغصة للبال، وأطلقت العنان –في حدود السرعة القانونية وضمن المسار المحدد– لسيارتي على طريق أقرب المتنزهات العامة إلى بيتي في ضواحي واشنطن. دأبت ومنذ ابتلائي بنعمة العمل الصحافي قبل ثلاثة عقود على بدء جولاتي على محطات الإذاعة بالاستماع للمحطة المحلية. كان يوم أحد وكانت ضمن الساعات الصباحية المخصصة لبث عظات متعددة الطوائف مراعاة لخدمة الجمهور دون محاباة أو تمييز رغم أنني أقطن منطقة ذي غالبية معمدانية جنوبية محافظة. ما علينا، المهم وبعد بضع دقائق، تم قطع العظة والتوقف مع استراحة إعلانية فماذا قالت؟ صدقوا أو لا تصدقوا، كانت دعاية لزيارة "مملكة الرب" وقد تم فيها الترويج لبرنامج سياحي ديني يزور المواقع المقدسة في القدس وبيت لحم وقلعة مسادا! ونهر الأردن والبترا. فرحت وحزنت في آن واحد، جميل أن ننظر إلى المشهد المقدس بعيدًا عن الحدود والصراعات، ولكن أين الترويج المسيحي الأردني لمواقعنا التاريخية؟ أثناء دراستي في بريطانيا في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وصلني كطالب مقيم داخل الحرم الجامعي منشور سياحي مماثل صادر عن شركة سياحية بريطانية حملت العنوان نفسه "مملكة الرب"، شملت إضافة للأردن مصر، لكن الحملة انطلقت من كونها شراكة بريطانية-إسرائيلية.

على أي حال وصلت إلى مبتغاي، وبدأت السير أربعة أميال اعتدت على قطعها سيرًا على الأقدام بمحاذاة نهر من باب الحنين للأردن، ثلاث مرات أسبوعيًا، مستذكرًا شريطًا من الأحداث منها القريب ومنها البعيد. تذكرت زيارتي للمغطس العام الماضي وحلمي العام الحالي بقضاء أعياد الميلاد المجيدة في ربوع الوطن، فأتساءل كمغترب هل قصّرنا في الترويج الداخلي والخارجي لمواقعنا السياحية الدينية المسيحية؟ هل تستقيم أي حملة إعلانية ترويجية في غياب تصحيح وتطوير جذري لمناهجنا فيعلم طلبتنا أن عيد العنصرة لا علاقة له بعيد النيروز!

انتهت أميالي الأربعة وتناولت "عصرونية" مع أصغر أبنائي على المائدة الصغرى في المطبخ حيث شراكة الطعام أكثر قربًا من القلب. سألني صغيري "علي" عن حديث جرى بينه وبين أقرانه في المدرسة: هل أسمح لنفسي بالتدخل في تربية من لا أعرفه إن أقدم على فعل منكر؟ طلبت توضيحًا، فأجاب: ماذا لو رأيت أحد أبناء جيراننا الصغار يدخن "الفيب" هل تلتزم الصمت احترامًا للخصوصية أم تتدخل؟ سارعت بالقول: لن أتردد بإعلام أهله بالحال فذلك من حق الجار على الجار وعملاً بوصية: أحبب جارك. احتجّ ابني قائلاً لكنك لست شرطيًا أو مصلحًا اجتماعيًا! أجبته: هكذا علمني أبي – لروحه الطاهرة السلام. أخبرته عليّا ما شكّل صدمة كبيرة له. أخبرته بانتمائي إلى جيل كانت –وللأسف- تباع فيه السجائر فرادى بعد انصراف الطلبة من المدارس. كان أبي يقرّع هؤلاء ويهدد صاحب المتجر في حارتنا بالتبليغ عنه للسلطات المعنية في حال لم يرتدع عن مواصلة جريمة التربح الرخيص عبر ترويج السجائر لصغار السن.

الخلاصة أننا جميعًا مسؤولون أمام الله وأمام الوطن، نعم وأمام الملك.. عن أدوارنا في الوطن والمهجر. تعددت المهن والوظائف والمواقع و"الرتب" لكن الرسالة واحدة: نحن نخدم.. الخدمة محبة.. ولا حبًا صادقًا ما لم يكن مقرونًا بالخدمة، ولا خدمة أقدس من تلك المكللة بالآلام والجحود والنكران. فصاحبها لا ينتظر لا جميلاً ولا إحسانًا.. هكذا علمنا السيد المسيح أفلا نبرّ به مسيحيين ومسلمين وأردنيين..؟