موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٣٠ يوليو / تموز ٢٠١٩
تحرّر القلب من الرغبة الدائمة في التملّك

المطران بيتسابالا :

الأحد الثامن عشر من الزمن العادي، السنة ج

في نص إنجيل اليوم (لوقا ١٢: ١٣-٢١) يطلب رجل من يسوع أن يكون حاكمًا بينه وبين أخيه من أجل تقسيم ميراث والده بينهما بالتساوي.

في الإجابة عليه، يحوّل يسوع الاهتمام إلى أمر أكثر أهمية من ذلك. إن المشكلة بين الأخوين لن تُحل بتقسيم متساوٍ للميراث، بل حين يتحرر قلباهما من الرغبة الدائمة في التملّك. بكلمات أخرى ستبقى علاقتهما مهددة دائما ًبالطمع والشهوة، اللتين لا يمكن اشباعهما.

ليس كافياً الاعتماد على التعاليم الأخلاقية التي تحث المرء على الفقر وعدم التعلّق بالمال والعطاء والسعي إلى الوفاق والطيبة، بل علينا فهم معنى وماهية الحياة والغنى الحقيقي الذي يمنحنا الأمان. يمكن للإنسان أن يحصل على كل شيء لكن لا يعني ذلك أنه سيحصل على الحياة: "تبصروا واحذروا كل طمع، لأن حياة المرء، وإن اغتنى، لا تأتيه من أمواله" (لوقا ١٢: ١٥).

لإبراز هذا الحقيقة يستخدم يسوع مَثلاً يسرده للجمع الذي أحاط به وليس فقط لمن طرح عليه السؤال، ذلك لأن هذه المشكلة تخصّنا جميعاً ولا تخص شخصاً واحداً فحسب.

كان ثمة رجل غني. بالإضافة إلى ثروته الطائلة، غلّت أرضه محاصيل وافرة. ولكونه رجلا يتصف بالمهارة والدهاء تساءل ما يجب القيام به لخزن هذه الخيرات الوافرة.

سيقوم هذا الرجل بما كنا سنفعله على الأرجح نحن أيضاً. سيقوم ببناء مخازن للمحاصيل. سيجمع كل ما يملك. وها هو يقول لنفسه بأن تستمتع بممتلكاته.

من منظور يسوع، كان هذا الرجل غبياً. لماذا؟

في المزمور بعد القراءة الأولى، نجد وصفاً للرجل الحكيم. “علِّمنا كَيفَ نَعُدُّ أَيَّامَنا فنَنفُذَ إلى قَلبِ الحِكمَة" (مزمور ٩٠: ١٢).

الرجل الغني يعدّ خيراته وأرزاقه بينما الحكيم يحصي أيامه أي أنه يدرك بأنها محدودة وأن الدنيا باطلة. الحكيم هو من يعرف محدوديته وتواضعه وضعفه.

كل من يعدّ خيراته وليس أيامه هو غبي كالرجل الغني الذي ورد ذكره في المَثل والذي اعتقد، بعدما قام بتجميع ثروة كبيرة، أنه أزال تلك المحدودية وأصبح خالداً: "يا نَفْسِ، لَكِ أَرزاقٌ وافِرَة تَكفيكِ مَؤُونَةَ سِنينَ كَثيرة، فاستَريحي وكُلي واشرَبي وتَنَعَّمي" (لوقا ١٢: ١٩).

ولكن من الجلي أن الأمر ليس كذلك، فالموت لا يزول بل ينتصر.

إلا أن العكس يحصل تماماً. فكل من يجمّع ثروة متوهماً أنه يبتعد عن الموت هو بطريقة ما يقترب منه. في المَثل انتهت حياة الرجل الغني وأصبح يتكلم فقط مع نفسه واستسلم ولم يعد يستثمر في أي شيء. لقد توقف الزمن بالنسبة إليه ولم يعد يتحرك.

ويصبح أسلوب يسوع، بعد بضع آيات، محيرا إذ يدعو في الآية ٣٣ إلى بيع الأموال والتصدق بها لاكتشاف الغنى الحقيقي. إن حيّز الغنى الحقيقي هو حيز الثقة والعطاء الذي يمكننا من الحصول على الحياة الأبدية.

يحتوي الإنجيل على حركتين. حركة أولئك الذين يريدون التملك (الرجل الغني، الشاب الغني ويهوذا…)، وهي دائماً حركة الموت. وثمة حركة مَن يُعطي من دون تخطيط (الأرملة الفقيرة والمرأة الخاطئة التائبة وزكا…)، وهي تمثّل دائماً حركة الحياة.

كان يسوع أول من دخل هذه الحركة. فهو الرجل الغني الذي أصبح فقيراً وتجرد من نفسه (فيلبي ٢) ومنح كل ما يملك. إن حركة التجرّد سنحت له الحصول على اسم مجيد أزلي، اسم "الرب" الذي انتصر على الموت.

من هنا تلد الأخوّة الحقيقية التي لا تكتفي بالعدالة في تقسيم الخيرات بالتساوي كما كان يأمل الرجل الذي التجأ إلى يسوع، بل التي تجعل من الهبة المجانية طريقاً إلى الحياة الأبدية إذ هي من نصيب جميع الناس.