موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٥ يونيو / حزيران ٢٠٢٠
تأملات المطران بييرباتيستا بيتسابالا في عيد الثالوث الأقدس: ديناميكية الهبة والامتنان

رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا :

 

نجد، في بعض مقاطع إنجيل يوحنّا كلمات ليسوع يمكن اعتبارها خلاصة أو مفتاح قراءة لكلّ ما يعمله الربّ.

 

والمقطع الإنجيلي الذي نسمعه في عيد الثالوث الأقدس اليوم (يوحنا ٣، ١٦-١٨) هو جزء من حوار يسوع مع نيقودموس. وهو تحديدًا أحد هذه المقاطع الأساسية.

 

 وكما قلت، ليس هذا المقطع هو الوحيد من نوعه، بل هناك مقاطع أخرى.

 

دعونا نفكر في الفصل السادس من بشارة يوحنا، وفي الآيات ٣٩-٤٠، التي يقول يسوع فيها: "ومشيئة الذي أرسلني ألا أهلِك أحدًا من جميع ما أعطاني إياه بل أقيمه في اليوم الأخير. فمشيئة أبي هي أن كلّ من رأى الابن وآمن به كانت له الحياة الأبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير".

 

ولنفكر في الفصل ١٢، الآية ٤٧، حيث يكرّر يسوع نفس الكلمات التي نسمعها اليوم، وكأنه يكرّر ما هو أساسي: إنه لم يأت ليدين، بل ليخلّص.

 

في هذه المقاطع، ها هو يسوع يقدّم قراءة "لاهوتية" للحياة، وللخلاص، ولعمل الإله الآب. وهي، في المقام الأول، قراءة مختلفة عما يتوقعه الناس المتديّنون.

 

لماذا؟

 

لأن الفكر السائد للإنسان المتديّن في ذلك الزمان هو أن الإنسان يخطأ والربّ يعاقب. أو، عكس ذلك، يسلك الإنسان سلوكًا مستقيمًا والرب يكافئ. والواقع أن الرب لا يكتفي بعدم الإدانة، ولكنّه أيضًا لا يحكم على أحد. عندما جاء الربّ إلى العالم وصار إنسانًا، خضع، بشكل ما، إلى قضاء الإنسان، وإلى رفضه ودينونته.

 

ولكن حتى في مواجهة كل هذا، وأمام شرّ الإنسان، الرب لا يُقاضي ولا يحكم على أحد، بل الإنسان نفسه هو الذي، بتصرفه بهذا الشكل، يقصي نفسه عن الحبّ، ويحكم على نفسه، ويكشف عن خطيئته. إن مجيء يسوع في الجسد يُبرزُ خطيئة الإنسان وعصيانه.

 

أمام هذه الأدلّة، يستطيع الربّ، في نهاية المطاف، أن يفعل ما يريد، وما جاء من أجله، أي من أجل أن يخلص، وأن يصل إلى الإنسان، إلى حيث أضاع الإنسان نفسه، وأن يكشف له هناك عن حبّه.

 

بل إنه يمكننا تفسير كل ما يحدث لنا وعيشه على أنه عبور للربّ الّذي يريد أن يظهر لنا حبّه من خلال ذلك الحدث، وأن يشفينا، ويفتح أعيننا، ويدلّنا على الطريق، ويهبنا إخوة؛ وبعبارة واحدة، يريد أن يخلِّصنا. الأمر متروك لنا بأن نتعلم فن النظر إلى الحياة بهذا الشكل، بهذه النظرة وبهذا الإيمان.

 

يذكّرنا المقطع الإنجيلي بأننا قد خُلصنا بالفعل. لا داعي لأن نبحث عن خلاصنا بمفردنا، أي أن نحاول تخليص أنفسنا من الشر أو من الموت بمفردنا. لقد تمّ هذا بالفعل، مرة واحدة وإلى الأبد، وقد أعطي لنا كل شيء مجّانا.

 

كل ما على الإنسان فعله هو البقاء في الهبة الّتي حصل عليها، وأن يحافظ عليها، وأن يشكر الشخص الذي تأتي منه كل عطية.

 

يبدو لي أن ديناميكية الهبة والامتنان هذه يمكن أن تخبرنا شيئًا ما عن حياة الثالوث، وعن الحياة الحقيقية التي نحن جميعاً مدعوون إليها.