موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٠ أغسطس / آب ٢٠١٦
تأملات الأب بيتسابالا ليوم الأحد 21 آب

ترجمة: منير بيوك - المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام :

يذكرنا الإنجيلي لوقا، في بداية قراءة إنجيل اليوم، أن يسوع كان في طريقه نحو القدس.

وقد أبلغنا بذلك بالفعل (لوقا 51:9)، وحقيقة كونه يكرر ذلك، فهذا ليس من قبيل الصدفة: فبالقيام بذلك، يقوم بتقديم الجزء الثاني من رحلة يسوع. إنه الجزء الذي فيه يروي يسوع العديد من الأمثال ويوجه لتلاميذه دعوة ملحة لدخول ملكوت السموات.

يتميز الجزء الثاني من الرحلة بدعوة متكررة إلى اتباع منطق يجعل الغموض الذي يحيط بملكوت الله مليئًا بالحيوية. وهو منطق يمكننا أن نصفه بأنه "متراجع"، حيث ينطوي على انقلاب كامل للقيم، والأفكار، والرؤية.

لذلك، نسمع على طول الطريق أن الاولين سيكونون الآخرين (لوقا 30:13)، وأن كل من يرفع نفسه يتضع (لوقا 11:14)، وأنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارًا لا يحتاجون إلى توبة (لوقا 15: 7).

كما لا يجوز لأن يكون الأمر خلاف ذلك لرحلة تؤدي بهم إلى حيث يتم عكس كل شيء. في القدس يعامل الصالحون مثل المجرمين، فيدخل اللص ملكوت السموات أولاً، وتتم هزيمة الموت وتنبثق منه الحياة ...

قراءة اليوم ترمز إلى هذا التحول.

أولاً يقلب يسوع السؤال: يسأله رجل ما، عما إذا كان هناك العديد من الذي سيخلصون، ويجيب بالقول إن الطريق ضيقة. وهذا يعني أن المسألة تتعلق بالمنزل، والإجابة تتعلق بالباب.

ويبدو أن يسوع يريد القول إن المسألة لا تتعلق بالعدد، فهو منزل كبير، وكم من القوم يمكن أن يستقبل (في واقع الأمر تتم مناقشه الأمر بأنه سيجمع في وقت لاحق حشداً لا حصر له من الناس، الذين يأتون من جميع المناطق): في المنزل الذي يتسع للجميع.

المعضلة لا تكمن في العثور على الطريق، لأن الباب ضيق.

ومن المثير للاهتمام أن هذه الصفة، "ضيق" تستعمل هنا لمرة واحدة في إنجيل لوقا. فهذا الباب هو الشيء الوحيد الضيق الموجود في الإنجيل. في هذا العام، عام الرحمة، نحن معتادون على رؤية العديد من الناس في كنائسنا اليوبيلية. فهناك الأبواب الكثيرة، الواسعة، والمفتوحة، والجميلة التي ترحب بالقادمين... وبدلاً من ذلك، يخبرنا يسوع بأن باب ملكوت السموات ضيق. لماذا؟

من كلام أولئك الذين بقوا في الخارج، ومن أولئك الذين لا ينجحون في الدخول من الباب الضيق ("أكلنا قدامك وشربنا، وعلمت في شوارعنا" لوقا 26:13)، يبدو أن الباب صغير جدًا فقط لأولئك الذين يعتقدون أن لديهم الحق في الدخول، لأن الواقف عند المدخل يعتقد أنه يستطيع أن يدخل بتقديم أوراق اعتماده، وأن الأعمال الخيره هي التي من شأنها أن تمكنه من المرور...

إن الباب ضيق لمن يعتقد أن المنزل صغير، ولمن على قناعة بأن هناك في الداخل مكانا لشخص مثله، ولمن عمل كل ما بوسعه للدخول هناك وانه يستحق ذلك.

فذلك يعيد إلى الأذهان مثل الفريسي والعشار (لوقا 18: 1-14). إنه المثل التي ينتهي أيضًا بانعكاس المفهوم: "لأن كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع"، حيث الفريسي يضع قائمة بكل ما قدمه من الأعمال الصالحة: هنا هو واحد ممن يكون له باب ضيق...

كيف يرد رب البيت على هؤلاء الناس؟

الرد الأول هو: "لا أعرفكم، من أين أنتم" (لوقا 13: 25) ومعنى ذلك: أنا لا أعرفكم.

من يعتقد أنه يمكن الحصول على الاستحقاق الخاص به فإنه لم يعرف الرب -كما أن الرب لا يعرفه وذلك لأنه يضع أمام عينيه فقط أعماله الجيدة الخاصة به، كما ورد قي مثل الفريسي.

أنه يعرف الرب الذي عايش مغفرته، والذي التقى به في أعماق بؤسه، والذي يدرك عظمة رحمته، والذي يعرف أن الخلاص فقط مجاني؛ إلا أنه بطريقة أو بأخرى "تنقلب الأمور"، "ويدرك" المنطق المقلوب لملكوت السموات وهم يعرفون أن المنزل عظيم، وأنه لا يستحق أن يدخل أحد بجدارته فحسب، وأن كل الذين يتم قبولهم مجانا فذلك عبر نعمة صليب المسيح.

المنطق يتغير، وتنقلب الأمور، كما أن ذلك ليس بالأمر السهل. فالقبول بأن الخلاص مجاني هو في الواقع شيء "ضيق"، لأننا نفضل إلى حد بعيد أن نستحق ذلك. فإذا كنا نستحق، وإذا كان هناك استحقاق، لن نكون مدينين ولن تكون هناك حاجة لنتشارك بشيء ما مع أحد.

الخروج من هذا الممر الضيق هو الجهد الحقيقي الوحيد الكبير الواجب القيام به. إنها المعركة الحقيقية، تلك المعركة التي تواجه كبرياءنا.

ثم يدعوهم "صانعي الشر" (لوقا 27:13). ومن الغريب أنه يدعوهم ذلك، لأن الحقيقة هي أنهم لم يخطئوا.

فإن من يشوه مفهوم العدالة هو على خطأ، كذلك من يعزي ذلك إلى مزاياه الخاصة، ومن ثم يرفض أن يتم تبرير ذلك.

إن هذا الافتراض عادة ما يجعله يغلق عينيه وقلبه لأخيه فيجعله أسير "ظلمه". لكن لا يستطيع المرء أن يدخل من الباب الضيق إذا لم يكن على وفاق مع إخوته فالأمور جميعها تتسم بالظلم إلا أنها تحصل على الغفران.

لقد تم الاحتفال بعيد انتقال العذراء إلى السماء: إنها مثال حي لما قلناه.

والدة الله تقر بعدم إدراكها، فتسمح لنفسها بأن تكون مغمورة بالنعمة، فتعهد نفسها إلى الآب الذي لا شيء معه مستحيل (لوقا 1: 26-38) وتنشد بطريقة فريدة من نوعها في المنطق المقلوب رأسًا على عقب لملكوت السموات: "انزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتواضعين، اشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين" (لوقا 1: 24-55). وهكذا فبالنسبة لها الباب واسع ومفتوح.