موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الثلاثاء، ٣٠ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٨
بشار جرار يكتب: ’الصلاة الربانية وفاجعة الرحلة المدرسية‘

واشنطن – بشار جرار :

"لا تدخلنا في تجربة" و"نجّنا من الشرير".. لطالما تأملت في هذين الرجاءين فيما يعرف بالصلاة الربانية. كنت حديث عهد بدراسة حوار الأديان علومه وآدابه، فتذكرت دعاء جدتي مودعة أبي رحمهما الله بالنجاة من "ساعة الغفلة" و"أولاد الحرام". هكذا كلما غادر البيت في عمل للبرّ بها وبنا.

كبرنا وكّبرتنا التجارب وأدمانا الأشرار خاصة الذئاب بصوف الحملان، صوف أصفر لا بياض ولا طهر فيه. أدركت حينها أن من خلقنا ما كان ليضيعنا سواء أكان ذلك في تجربة بمعنى محنة وابتلاء أو لصالح شرير مهما اسودّت وادلهمّت مخططاته الشيطانية.

في "تجربة" البحر الميت لا نستطيع بانتظار التقرير الذي أمر جلالة الملك بإعداده بكل دقة وشمولية وشفافية، القطع في وجود "أشرار" خلفها. نحن لا نملك أن ننجرّ وراء قطيع الشائعات ومتاهاته، فلا نقول بأن ما جرى بالضرورة من ثمار الفساد العلقمية السامة. ولا حتى نتعجل في القطع بأن ما حل بنا من كارثة إنسانية مفجعة جاء حصيلة إهمال "جنائي" رغم أن الإهمال والتقصير المفضي إلى خسائر بشرية أو مادية فادحة يعرف من الناحية القانونية بالإهمال أو التقصير الجنائي. نحن سنصدع للوصية الإلهية التي علمتنا أن مهما علا شأن إيماننا وحرصنا فإننا بحاجة إلى الحماية والخلاص الرباني حتى لا ندخل في تجربة أو نقع في براثن شرير. وبلغتنا الجميلة نقول "لا يدفع الحذر القدر".

بطبيعة الحال الدعوة النبوية بأن "اعقلها وتوكّل"، تضع المقولة أعلاه في سياقها الطبيعي، لكن الحياة والموت والخلاص والتجارب لا تخضع دائما لمنطق الطبيعة التي نعرفها فحكمة الله الواردة في الصلاة الربانية تذكرنا بتجارب وأشرار لا ينفع لهما سوى واهب الحياة والموت. نعم فالموت هبة لا تقل أهمية عن الحياة لا بل وتزيد!

"أرادوا بي شرا وصنعت بي خيرا" مقولة خالدة هي الأخرى من الكتاب المقدس، تذكرنا أن حتى الموت على ما فيه من آلام الفقد وعذابات الألم إلا أنه بيد ربنا رب المحبة والسلام والخير والمجد الذي سيحيل تجربتنا إلى فرح عظيم يقضي على الشر والأشرار. العبرة في آلا نفقد سلامنا، سلامنا مع الذات والآخر. لن نربح شيئا إن فقدناه. لا ننسى مقولة السيد المسيح الخالدة: ماذا يربح الإنسان لو كسب العالم كله وخسر نفسه؟

نحن خطاة لا ريب، لكننا في الوقت نفسه مشروع قديسين كما بشر السيد المسيح. وكما هو عمل الروح القدس بالحب والصبر والأناة والوداعة والصدق والشجاعة وكره الخطيئة لا "المخطئين"، فإن حزننا لن يفقدنا سلامنا و"غضبتنا" لحق الضحايا في رقابنا جميعا لن ينسينا آداب الحزن في ظل الإيمان. هو أيضا ينبع من النبع ذاته، تسليما لإرادته "فلتكن مشيئتك". نعم نتجرّع كأس التجربة بمحبة على رجاء النجاة والخلاص.

بوركت الأجراس التي دقت بالأمس في كنائس بلادي على شهداء البحر الميت ومن قبلها على شهيدنا معاذ الكساسبة. فإن كان قتلتهم هو الفساد أو الإهمال الجنائي، فإن حقهم لن يضيع، تماما كما لم يضع حق معاذ وأسرته وعشيرته ووطنه وكل مؤمن بالسلام في العالم.

وإن كان لي من رجاء في ثالث مقالة أكرسها لهذه الفاجعة، فإني أرجو الله ثلاثا: أن يمنح سلامه لأسر الضحايا، وأن يمنح الحكمة للقائمين على إعداد التقرير، والحسم والشجاعة لمنفذي توصياته. إنك قريب مجيب: فمنا من يراك "أقرب إلينا من حبل الوتين" ومنا من يراك "في هيكله" روحا لا تفارق جسمه حتى يدخل ملوكته الخالد..