موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الخميس، ٢٨ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٩
بشار جرار يكتب من واشنطن عن عيد الشكر الأميركي

واشنطن - بشار جرار :

ما ظننت حكاية عيد الشكر في أميركا واجبة الذكر في هذه المقالة التي أكرسها لوطني الأم الأردن. الشكر، ثقافة الشكر هي من أمس ما نحتاجه في أسرنا وأحيائنا ومراكز أعمالنا ومرافق الخدمة العامة والخاصة في بلادنا. يعني بالأردني الفصيح علينا الكف عن ثقافة "النق" والنأي عمن "لا يعجبه العجب ولا الصيام برجب". في تراثنا الديني والثقافي تعلمنا أنه "بالشكر تدون النعم"، لكن طوفانًا بائسًا في وسائل الإعلام "التقليدي والجديد" ما بات ينفك عن ضخ كل ما ينغص القلب ويكدّر النفس ويثبط الهمة ويشتت العزم ودس السم بالدسم.

دعوني أشارككم بشفافية تامة برنامجنا هذا العام "كواحد من الناس" احتفل بأول عيد شكر بأميركا قبل زهاء عقدين. البداية كانت بقبول دعوة صديق كريم وهو أخ أميركي تنحدر أصوله الكريمة من غزة هاشم. كانت دعوته عامة لشمل من الزملاء الأصدقاء من المهاجرين الجدد. معظمنا تقبل الدعوة بعرفان، واعتذر عنها "شخص" رأى في عيد الشكر "تعارضًا" مع معتقداته الدينية؟! شكرًا لأميركا التي جعلت من ذلك الشخص مواطنًا مكتمل الحقوق والواجبات رغم اختياره خيار "المقاطعة" ورفض "التطبيع" مع ثقافة أميركية وطنية عامة لا دخل لها لا من قريب ولا من بعيد بأي دين. القصة كل ما فيها محبة وسلام بين هندي أميركي أصيل وأميركي مهاجر قادم من أوروبا فارا بدينه وأسرته من القمع الطائفي والاستغلال الطبقي والفساد المجتمعي إلى بلاد ما زالت منارة القيم الإنسانية الخيرة والمتنورة في العالم، اتفقت مع إداراتها أم اختلفت وافقت سياساتها أم عارضت.

أعود لصديق الأخ صاحب السبق والفضل بتعريفي على هذه الثقافة حسب الأصول الأميركية. أهم ما في الدعوة اقتصارها على الدائرة الضيقة من الأهل والأصدقاء ما أمكن في معظم السنوات مع فتح نافذة العضوية لضيوف جدد وفق معايير رفيعة لحسن اختيار من تدعو على مائدتك. وهنا بيت القصيد، فالغاية بطبيعة الحال ليست الأكل وإنما الشركة بمعنى التشاركية في تغذية الروح والجسد. لهذا تبدأ عملية الإعداد قبل يوم كامل لضمان تدليك لحم "الديك" بما لذ وطاب من التوابل والزيوت ونقع الخضار المصاحبة بها وطهي كل مرفقاته على نار مناسبة بالمدة والشدة فلا تنحرق الطبخة رغم كثرة طباخيها مادام "الشيف" واحدا!

الوجبة إذن ليست على شاكلة وجبة سريعة ولا "ديليفيري"، فالكل يشارك بالتحضير من الألف إلى الياء تأكيدًا للشركة بكل ما تحمله من أواصر المحبة والعمل المشترك لما يسعد الجميع وينفع الكل.

ومع نزول السفرة على المائدة، يتحلق الجميع وقوفًا أولاً للتعبير عن مشاعر الإعجاب والعرفان لست البيت ومن ثم – على سبيل جبر الخواطر – يتم التعبير عن الامتنان لدعوة صاحب البيت على توجيه الدعوة الكريمة.

جلوسًا – بتشابك الأيدي لمن أراد – ترفع صلوات الشكر لصاحب الزاد والزوادة سبحانه في علاه – يشكر الجميع بألسنة مختلفة لغويًا وعرقيًا ودينيًا وطائفيًا – يشكر صاحب النعم جلت قدرته.

لا أذيع سرًا إن قلت إن لعيد الشكر في بيتي هذا العام مذاقًا خاصًا "سويت آند ساور" يعني حامض-حلو بحسب المطبخ الأميركاني! "حامض" لأن عزيزًا غاليًا على قلبي مسافر في رحلة علمية أرجو الله أن تتكلل بالنجاح الباهر والتام، أما حلوها فلمشاركة ضيفين حبيبين انضما جديدًا لأسرتي، خطيبي ابنتي: الأميركي الألماني والأميركي الحجازي.

شكرًا لأميركا والأردن ولأجمل ما فيهما. حدقتا العينين هاتين الدنيا فيهما أجمل.. فكم من لاجئ ومهاجر أتى هذين البلدين الكريمين فصار صاحب مائدة تقيم عيد الشكر كل يوم..