موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الإثنين، ٢٤ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٨
بشار جرار يكتب من واشنطن عن الميلاد: عندنا وعندهم

واشنطن – بشار جرار :

أخذتني الأقدار والأسفار إلى بلاد كثيرة، لم يكتب الله لي فيها قضاء أعياد الميلاد المجيدة سوى في المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المتحدة والولايات الأميركية المتحدة. بدون طول سيرة، "كرسمسنا غير شكل". أضواء زينة أميركا وبريطانيا لا تضاهى، لكن نور تراسنطة "الأرض المقدسة" غير شكل.

الصدق أن الأغاني التي سمعتها ورددتها فرحًا وحبورًا وشوقا باللغة الإنجليزية هنا في سنوات المهجر والوطن الثاني، لم تستطع أن تزاحم التراتيل البيزنطية والفيروزية وجوقة الفرح الأردنية في قلبي.

والصدق أيضًا أن المبادرات التي عرفتها عبر التواصل الشخصي المباشر أو الالكتروني غير المباشر في أميركا تثير في نفسي غيرة محب، هي أقرب إلى الغبطة منها إلى الحسد. كثيرة هي المبادرات الدالة على معاني عيد الميلاد المجيد منها المؤسسي ومنها الفردي، لكنها جميعها تصب في التركيز على جوهر العيد لا مظاهر الاحتفال به.

من أجمل الأغاني الفولكلورية الأميركية أغنية تحمل عنوان: "ضيف عيد الميلاد". تتحدث كاتبة كلمات الأغنية الأميركية "هيلين ستاينر رايس" عن الميلاد الجديد المتجدد، لا حدث الميلاد الذي وفق تاريخه تبدأ الأزمنة. ميلاد "إيمانويل" بمعنى "الله معنا" لا بداية ولا نهاية له. هو حدث دائم مستدام بيدنا تجسيده في أعمالنا. تشير الأغنية إلى استقبال "ضيف" كريسماس عبر مساعدة "كندرجي" لثلاثة محتاجين "متسول شبه عار، امرأة تضوّرت جوعًا، وطفل هائم على وجهه لا مأوى له". كان صاحب محل تصليح الأحذية يصلي سائلاً الله لماذا لم يره "وجهًا لوجه" وتلك أمنيته الوحيدة، فكانت الإجابة بحسب الأغنية أن المسيح أتاه في تلك المرات الثلاثة. كل عابر سبيل وصاحب حاجة آتٍ إلى بيوتنا ومكاتبنا وورش أعمالنا كذاك الملك الخادم شعبه، السيد الفادي أحبائه، أحبوه أم كرهوه، تبعوه أم أنكروه وصلبوه.

من المبادرات الجميلة أيضًا، وفي ظل العزلة والظلمة التي زادت وطغت في عالمنا، دعوة أحد الرعاة الأميركيين من خدام الكنيسة عبر وسائل الإعلام إلى تكريس هذا العيد للغرباء. الرسالة كانت: تحدث إلى من لا تعرفه، هكذا دون مقدمات، شاركه بتقديم كوب مجاني من القهوة و"دردش" مع الغريب في أي شيء. قد تثني ذاك الغريب عن حبائل الوحدة والعزلة والظلمة الشيطانية التي تدفع النفوس إلى ضياع الإدمان والانتحار وحتى الإرهاب.

أعلم حساسية كلمة "التبشير" لدى بعض الموتورين، لكن الحق أن مهمة المؤمن بالسيد المسيح -ربّا مخلّصا أو نبيا رسولا- مهمته الأولى على هذه الأرض هي التبشير. ومن عجائب "العلمانية-المدنية" الطاغية إلى حد التغوّل في أميركا باسم ما يسمى بـ"البوليتيكال كوريكتنس"، أو ما يجوز أو لا يجوز "سياسيًا"، تقييد تلك المهمة بكثير من القوانين والضوابط حتى على المستوى الفردي.

ومع كل حادثة يضجّ فيها الإعلام الأميركي بتحريض من "الليبراليين" على من يرون في أعمالهم "تبشيرًا"، أتذكر بالخير جارنا الحبيب "أبو بسام" حدّاد المسيحي السلطي الأصيل الذي كان دائمًا أول المهنئين لأسرتي بعيدي الأضحى والفطر، معايدة حقيقية من القلب إلى القلب لم تخل من طبق شهي للإفطار وآخر للسحور. كان بكوفيته البيضاء يهنئنا أيضًا بالكريسماس على اختلاف أحجام شجرتنا وزينتها داخل البيت -في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي- قبل رواج "موضة" الزينة الميلادية والرمضانية خارج البيت على الشبابيك والشرفات!

بالأمس وأنا أكمل شراء حاجيات العيد وهداياه لأسرتي وبعض جيراني الأميركيين، تعمدت "إزعاج" موظفة الكاشير بالرد على عبارتها "الكلاشيه": إجازات سعيدة، بالقول وبصوت عال "ماري كريسماس". لم تتمالك نفسها فردت بصوت خافت بالمثل خوفًا من تعرضها لمساءلة الإدارة! المبرر "التسويقي" هو عدم التمييز بين الزبائن: مسيحيين وغير مسيحيين!

لست أدري لما يتعمد البعض "إزعاجنا" بمعايدة تشوبها عيوب في آداب التواصل والوفاق والتآخي المجتمعي؟ فما معنى تضمين المعايدة بمرافعة دينية أو تنظير سياسي؟ ما معنى أن يصر البعض على تسمية الناس بغير أسمائهم؟ حبيبنا "أبو بسام" طيب الله ثراه كان يعايد بالاسم والكنية لا بالدين والطائفة! من غير المقبول أن يصر البعض على عبارة "كل عام وإخوتنا النصارى بخير بمناسبة مولد سيدنا عيسى عليه السلام". معايدة "غير ودية" على هذه الشاكلة تفرق لا تجمع، تنفر لا تبشر، الأمر الذي اضطر صديق مشترك على منصات التواصل الاجتماعي إلى الرد وذكر اسمه الرباعي كاملا قائلا أنا -يا أخي- مسيحي مش نصراني!

فيا جماعة الخير "إياها" روقوا وروقونا وخلوا كرسمسنا غير شكل، وكل عام والأردن كله بمسيحييه ومسلميه بخير، و"ماري كريسماس" عليكم أجمعين. قولوا آمين يا رب "العالمين"!