موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢٤ سبتمبر / أيلول ٢٠١٨
بالتعاون مع موقع ’تعددية‘.. فادية الإبراهيم تكتب: الدور الاجتماعي للدين‎

عمان - فادية الإبراهيم :

يرى كثيرون أن لِلدِّين قوّة وقيمةٌ كبيرتان، لأنه يوفِّر القاعدة الفكرية التي يستند إليها الاجتماع الإنساني. وتنوُّعُ الديانات واختلافها جاء في الأصل بهدف إثراء المجتمعات، لتتعاون فيما بينها لخدمة القضايا الإنسانية، وهذا ما جاء به القرآن الكريم: {يا أيُّها النَّاس إنَّا خَلَقنَاكُم من ذكرٍ وأُنثى وجَعلنَاكم شُعوبًا وقبائلَ لتعارفُوا} [الحُجُرات: 13].

من هنا التنوُّع هو وسيلة للتعارف والتعاون وتحقيق التكافل الاجتماعي؛ إذ إنَّ طبيعة الدين تَترك تأثيرًا إيجابيًّا، وذلك لاحتوائها على مبادئ تَحفظ حرية الإنسان وكرامته، وتُنظِّم حياة الأفراد والجماعات، وتؤسِّس أيضًا لبناء المجتمعات، وتُنظِّم العلاقات بين أفرادها، مُستوعِبَةً مفهوم التعدُّد والتنوُّع داخل هذه المجتمعات. إلا أن المجتمع الإنساني في الوقت الحاضر، يَشعر بالإحباط وانعدام التوازن أمام التقلُّبات التي حدثَت في فهم الدين؛ لِيَفقد الدين بذلك وظيفته الأساسية في تنظيم الحياة المجتمعية، ويأخذ -ليس الدين- وإنما الفهمُ الخاطئ للدين وظيفةً هدّامة، ويكون سببًا في النِّزاعات والخلافات.

شهِدَت المِنطقة العربية أخيرًا، عقدًا مَملوءًا بالفوضى والاقتتال والنزاعات الدينية والإثنية النابعة من أفكار متطرِّفة، وضعَت المجتمعات في خطر وأتت على كلِّ شيء، وهدمَت البنية الاجتماعية للمجتمعات، وظهرت الانقسامات بين المذاهب والطوائف الدينية، وهُجّرت جماعات وعُذِّبت أخرى، ودُمِّر الإنسان الذي هو رأس مال المجتمع وأساسه. فأظهرَت كلُّ تلك الأحداث سلوكيّات أكثر سلبية وعدوانية، وفيها كمٌّ كبير من التطرُّف والتعصُّب ومحاولة إقصاء الآخر، كالممارسات التي قام بها تنظيم الدولة الإسلامية مع الإيزيديِّين في العراق، والتي وُصفت بأنها إبادة جماعية.

بَعد هذه المرحلة العصيبة من تلك النِّزاعات، كان لا بد من بداية مرحلة جديدة تحمي المواطنين في حياتهم وحرياتهم، وتصُون كرامتهم وإنسانيتهم. فأصبح الواجب الأوّل للدولة، هو إعادةُ الإعمار الاجتماعي والتنمية الاجتماعية، وصَون حياة المواطنين وكرامتهم مَهْما تنوَّعَت ثقافاتهم وأديانهم، وإدارةُ هذا التنوع بشكل فاعل، يَضمن إعادة تنظيم الدولة والمجتمع المتضرِّرَين.

السؤال الأهمُّ الذي يجب أن نطرحه: كيف يمكن أن نحصل على مجتمعات متوافقة ومنسجمة وفاعلة، بعد كل هذه النزاعات والخلافات؟ سؤال يحتاج إلى الكثير من العمل، من أجل توطيد السلام والبناء والاستقرار. فنحن في حاجة إلى قيادة مرحلة جديدة، تستند إلى المشهد الاجتماعي الحالي، لمساعدة المجتمعات على أن تصبح أكثر قوة وقدرة على المقاومة، من خلال استثمار التنوع والاختلاف، في تطوير المجتمع ونهضته، بدلًا من أن يكون سببًا في فُرقته ونزاعاته، ثم التزام مبدأ حرية الرأي والتفكير لتحقيق الوئام الاجتماعي، في ظلِّ التنوع الثقافي والديني الذي تشهده منطقتنا العربية.

أيضًا يمكن أن نعمل أفرادًا ومؤسسات، من أجل توجيه طاقات أبناء المجتمع نحو الإنماء والعطاء كبديل للصراع، وتأصيلِ التناغم الاجتماعي وروح المواطَنة التي لا تُفَرِّق بين أحد، ليس في الإطار النظري فقط، بل كنهج عمليٍّ يَوميٍّ يَشعر به الأفراد والجماعات، ويحقِّق العيش الاجتماعي المشترَك.

أمَّا الجزء الخاصّ بدور المنظَّمات والمؤسَّسات الدينية في مشروع إعادة الإعمار الاجتماعي، فهو دور مهمٌّ وأساسي، يجب أن يأخذ المساحة الكبرى في هذا المشروع، لأن الدِّين -حسب ما ذكرنا- هو مؤسِّس القاعدة الفكرية في مجتمعاتنا، وبدايةُ أيِّ صراع أو نزاع، قائمٌ على اختلافات فكرية؛ فأصبح هناك تحدٍّ أساسيٌّ للمؤسَّسات الدينية، في إنهاء النِّزاعات القائمة على الفهم الخاطئ للدين، وفي منْعِ حدوث نزاعات جديدة.

فالمؤسَّسات الدينية هي مَصدر غنيّ لبناء السلام، ويمكن أن تكون بمنزلة مُبرِّر قويّ للإصلاح الاجتماعي، وقبول التعدّدية والديمقراطية، من أجل بناء السلام وتمكين المواطنين في مجتمعاتهم، حيث يمكنها أن تلعب دورًا هامًّا في تطهير الفضاء الاجتماعي للتعددية، ويمكن أن تشارك أيضًا في مشروع التنمية والتعاون والمساعدات الإنسانية، وتعبئة الناس وتشجيعهم على المصالحة والغفران، من أجل صناعة السلام الديني الذي يُسهم بشكل أساسي في إعادة الإعمار المجتمعي. ومثال ذلك تجربة التحوُّل الديمقراطي للمجتمع النيجري، التي أخذت في اعتبارها التجربة السياسية المحلِّيّة للمجتمع المَبنيّ على الديمقراطية، التي توافق الفكر التقليدي مع الجديد، دون وجود تعارض بين الديمقراطية والدين كجزء من ثقافة المجتمع. فالنظام الأمثل كان بالنسبة إليها ليس الدولة العلمانية، ولا الدولة الاسلامية، وإنما النظام الذي يفتح المجال أمام تفاعُل كلِّ جماعات المجتمع، لصياغة عملية التحوُّل الديمقراطي، بشكل يؤدِّي إلى تحقيق المساواة والعدالة والرَّفاهيَة الاجتماعية، بدون التعصُّب لدين أو مذهب معيَّن.