موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٨ مايو / أيار ٢٠١٥
الهند: عندما لا تعتبر الاعتداءات على الكنائس جريمة

بقلم: باولو افاتاتو ، ترجمة: سامح المدانات :

 

"ليست مهاجمة الكنائس غير قانونية ولا تنتهك أي قانون". إن هذا التصريح الاستفزازي، الذي جاء من مونا كومار شوكلا، الأمين العام للحزب الهندوسي المتطرف "ماهاسابها"، يهدف إلى السيطرة على عقول المتشددين الشباب، وإلى تعزيز أيدولوجية الإقصاء التي بناء عليها تقوم الهند بالتخلص من الأقليات الدينية. يشكل الهندوس 75% من مجموع عدد سكان هذا البلد الأسيوي الشاسع الأطراف، والبالغ 1.2 مليار نسمة، ويعتنق 13% منهم الاسلام، بينما يعتنق 4.5% منهم المسيحية (من جميع الكنائس).

 

وفوق كل شي فهذا نداء لإضفاء الشرعية على الاعتداءات المتكررة التي دمرت المجتمعات المسيحية الهندية على مدى الأشهر القليلة الماضية. ففي عام 2014، عانت هذه المجتمعات من ما يزيد عن 7000 عمل عنفٍ، وذلك حسب تقرير  المنتدى الكاثوليكي العلماني.

 

وذهب قائد الهندوس إلى أبعد من ذلك، حيث "طلب من الحكومة الاتحادية تزويد الحماية للهندوس الذين يهاجمون الكنائس"، فهو يرى أن الكنائس لم تعُد أماكن عبادة بل هي مصانع تحول الهندوس إلى مسيحيين".

 

وقد أضاف شوكلا بأن منظمته سوف تمنح جوائزاً وحماية للهندوس الشباب الذين يهاجمون الكنائس ويتزوجون البنات المسلمات". واستطرد قائلاً "حتى التحفة والصرح المعماري الإسلامي في الهند "تاج محل"، وهو الضريح الذي أمر بتشييده إمبراطور موغال شاه جاهان عام 1632، قد تم تخصيصه لآلهة الهندوس شيفا، وسوف يصبح عمَّا قريب معبداً هندوسياً من جديد".

 

وقد جاءت تصريحات شوكلا هذه، بعد التصريحات التي أدلى بها نائب الرئيس ديفا سادفي ثاكور، الذي دعا في الأسابيع القليلة الماضية إلى حملة تعقيم جماعي للمسيحيين والمسلمين (منعهم من التكاثر) لكي لا يزداد عددهم.

 

ويظهر أن الجماعات الأصولية الهندوسية قد أطلت برأسها من جديد بعد أن وصل ناريندا مودي، وهو رئيس حزب البارتيا جاناتا إلى السلطة. ويستمد هذا الحزب بناء ثروته وكسب شعبيته من دعمه لهذه الأنواع من الحركات.

 

ويظهر أن وجود مودي في الحكومة الاتحادية يثير حماسة الجماعات المتطرفة، الذين يهدفون إلى توسيع القاعدة الشعبية المتشددة في المجتمع الهندي، وبذلك ترتفع الرهانات. ويستمدون قوتهم من بعض القيادات السياسية نوعاً ما التي تُظهر الرضا عنهم، ففي الأشهر الأخيرة، أظهر القادة السياسيون بعض الجبن أو عدم الاكتراث تجاه هذه الظاهرة، وهي الاعتداءات على الأقليات الدينية، والتي تدعو إلى القلق وتتسبب في تمزق التعددية التي هي من مقومات النسيج الهندي الأساسية.

 

بينما يقوم أخيراً رئيس الوزراء مودي –وبعد صمت طويل– بالرد على الاعتداءات العديدة، بعد كل الأضرار التي حصلت وتدنيس الكنائس (ففي غضون بضعة أشهر كان هناك خمسة حوادث في العاصمة الهندية دلهي، بالإضافة إلى حوادث أخرى في ولاية تيلانغانا وولاية اوتار براديش) يقوم بالتصريح بأن هذه الحكومة "لن تسمح لأية مجموعة دينية، تنتمي إلى الأغلبية أو إلى الأقلية، بالتحريض على الكره نحو الآخرين. لا نستطيع قبول العنف ضد أي ديانة". ولم يُبْدِ الممثلون الآخرون في الحكومة اهتماماً بالأمر: فوزير المالية أرون جاتلي قلل من أهمية الاعتداءات الأخيرة على الكنائس الهندية بقوله إنها كانت جرائم صغيرة.

 

ولكن حسب روساء الكنائس فإن هذه كانت "إعتداءات مستهدفة"، وذلك حسب تصريحات رؤساء الكنائس في اوتار براديش بعد العنف الذي تعرضت له كنيسة القديسة مريم الكاثوليكية في أقْرَا.

 

وقد قال مؤتمر الأساقفة الكاثوليك في الهند عن تصريحات مونا كومار شوكلا بأنها "غير مسؤولة"، معبرين عن مشاعر الجماعة المسيحية  التي تشعر "بالصدمة والالم" من كلمات تهدف إلى إحداث "تصعيد"، هذا ما قاله الأساقفة في نهاية الاجتماع  الذي شارك فيه 40 من الكرادلة والأساقفة في بنغالور.

 

وقد أشار الأساقفة أيضاً إلى التصريحات التي ادلى بها موهان بهاجوات، رئيس المتشددين الهندوس، والذي يترأس  منظمة المتطوعين الوطنيين المعروفة باسم (Rashtriya Swayamsevak Sangh) والتي قامت حديثاً بالتقليل من أهمية عمل الأم تريزا في كالكوتا، متهمة إياها بالتبشير عن طريق خدمة الفقراء".

 

بالإضافة إلى الكلمات –التي تعتبر مهمة لأنها تؤثر على عقول وتفكير الناس وتؤدي إلى إجراءات معينة- فإن مسيحيي الهند يواصلون عيش الإنجيل من أجل استعادة الكرامة لكل إنسان، في مجتمع لا يزال يتبنى نظاماً طبقياً يسمح قانونياً بالتمييز الاجتماعي على مستوى الديانات بشكل لا يمكن التغلب عليه.

 

ومن هذا المنطلق، أمضى الرهبان اليسوعيون في مدينة باتينا يوم الأول من ايار، وهو عيد القديس يوسف العامل، بتنظيف مراحيض الكلية وسكن الطلاب، مع رئيس الكلية تومي نيشانت، وكان المعلمون يسيرون في المقدمة. وكان مقصدهم من ذلك أن يضعوا أنفسهم في موضع المتواضعين والمحرومين"، وهم الطبقة المهمّشة  من المجتمع ويوصفون بأنهم "منبوذون" ولا يمكن لمسهم.