موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٦ يوليو / تموز ٢٠١٩
النتائج الفورية في البشارة المسيحية

الأب ألبير هشام نعّوم – بغداد :

في المسيحية، نقع غالبًا في تجربة البحث عن النتائج الفورية، وعيبُ هذه النتائج أنها تصبحُ مادةً ممتازة لنشرها في الإعلام في كلّ زمانٍ ومكان، ولكنها تصبح كذلك على حساب المؤمن أو الجماعة، لأنها لا تبالي عادةً بخيرهم بل تريد أن تستخرج منهم فقط ما يلائمها ويوافقها حسب الظروف.

فترانا في مجال عيشنا للرسالة المسيحية، سواء بصورة جماعية أو شخصية، نريد أن يهتدي الإنسان على يدنا فورًا، ونريد أن تتغيّر سلوكياتُ تلميذ التعليم المسيحي فورًا، ونريد أن نجني ثمار مشاريعنا الرعوية فورًا، ونريد أن يتمّ كلّ شيء فورًا! هذا الحماسُ العاطفي الكبير يشكلُ خطرًا كبيرًا على البشارة المسيحية إذا فُضّلت فيه البشارة على البشر!

لماذا البحث عن النتائج الفورية؟

ربما لنثبت لذاتنا أننا رسلٌ جيّدون، ناجحون في مهمّتنا الرسولية، وكما ذكرتُ أعلاه، يساعدنا الإعلام في تأييد نجاحنا هذا عندما يلتمس من عملنا نتائج فورية. فالإعلام لا تهمّه مسيرة التنشئة الطويلة للمؤمن والجماعة المسيحية، بل يريد أحداثًا حصرية وعاجلة يتسابق لنشرها حتّى على حساب من عاشها. لسنا بحاجة في إيماننا إلى تأييد ذاتنا ولا حتّى إلى البحث عن نتائج، فالحصاد يقوم به اللهُ في النهاية، وواجبنا نحن أن نزرع فقط لا بل أن "نخرج" لنزرع فـ"تقع" البذار على أراضٍ مختلفة (راجع مثل الزارع متى 13/ 3-8).

الإيمان مسيرة طويلة، يتطلب تنشئة دائمية، ويحتاج إلى صبرٍ طويل لكي يتثبت في نفس المؤمن وروحه، حتّى الاهتداء يتطلبُ مراحل عديدة لكي يصل إلى قمّته. أتذكرُ هنا قصّةً في الإنجيل، أراها فريدةً من نوعها، تروي قصّة ذلك الأعمى في بيت صيدا وشفائه الذي تمّ على مرحلتين، إذ "تفل يسوع على عينيه وسأله: "أتبصرُ شيئًا؟" ففتح عينيه وقال: "أبصر الناس فأراهم كأنهم أشجار وهم يمشون"، فوضع يديه ثانيةً على عينيه، فأبصر وعاد صحيحًا يرى كل شيء واضحًا" (مرقس 8/ 22-25). التفسيراتُ كثيرة لهذا النصّ، ولكن هل نستطيع أن نرى في هاتين المرحلتين من الشفاء، اهتداءً تدريجيًا ومسيرةً نحو المسيح إلى أن وصل الأعمى إلى الشفاء الكامل؟

معلّم الكتاب المقدّس لأكثر من أربعين سنة في العراق، الأب البلجيكي لوسيان كوب المخلّصي، رحمه الله، كان يقول إن اهتداء مار بولس تمّ على مراحل ولم يكن فجأةً، إذ هيأ الله اهتداءه الكبير على طريق دمشق باهتداءاتٍ عدّة. ولم تقل العذراء مريم "نعم" للملاك جزافًا، بل تؤمن الكنيسة في عقيدتها أن الله أعدّها مسبقًا لهذا الجواب الإيماني.

هذه الأمثلة وغيرها كثيرة، تجعلنا اليوم نعيد التفكير في طريقة رسالتنا المسيحية، وأن نطلب الصبر ولا ننجرّ وراء إغراءات النتائج الفورية التي توقعنا في النهاية في فراغٍ كبير.