موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢٦ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٢
الميلاد محبة.. رحمة.. عطاء

القس سامر عازر :

نحتفل في هذه الأيام الصعبة بعيد الميلاد المجيد، حيث شرقنا العربي ممزق وأمتنا العربية مفتتة وحيث تسود القلاقل والنزاعات والانقسامات وتنتشر رائحة الدم والخراب والخوف، لكن ما زالت تطن في آذاننا كلمات رئيس الملائكة جبرائيل لرعاة بيت لحم المتبدِّين الذين كانوا يحرسون حراسات الليل على رعيتهم قائلا لهم: "لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب".

أيها الإخوة والأخوات المحتفلون بعيد الميلاد المجيد، إن بشارة الملاك والتي تزرع الفرح والأمل والرجاء وتبدد الخوف من القلوب قد سبقها بستةِ مئةِ عام صوتُ الرب الذي تكلم بفم إشعياء النبي قائلا: " عزوا عزوا شعبي يقول إلهكم" ...، فمجد الرب سوف يعلن ويراه كلُّ بشرٍ جَميعاً لأنَّ فمَ الرّبِ تكلمَ. ( إش 40: 1،و 5).

نعم فم الرب قد تكلم، وهذا ما بخبرنا به المرنم في المزمور الخامس الثمانين قائلا: " إني أسمع ما يتكلم به الرب. إنه يتكلم بالسلام لشعبه ولأتقيائه، ..." (مز 85: 8-9).

أحبائي، عندما يتكلم الرب تصمت البشرية، فعندما انتهرَ المسيحُ الرياحَ العاتيةَ في بحيرة طبريا سكنت الريح وساد هدوء عظيم. فعندما يتكلم الرب لا بد وأن يتم ما تكلم به.

"عزوا عزوا شعبي يقول إلهكم"

نعم، إن ميلادَ المسيح قبل حوالي ألفي عام كان كلمةُ الله المتجسدة،" الكلمة التي ألقاها إلى مريم"، الكلمةُ الذي صار بشراً وسكن بيننا، ميلادُ المسيح كان إعلانُ مجدِ الله بوجه يسوع المسيح فأضاء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت ( لو 1: 79). وحقيقة هذا المجد أنه يراه كل بشرٍ جميعاً ( إش 40: 5).

نعم، لقد أعلن الله مجده في وسطنا عندما أصبحَ الكلمة بشراً وسكن بيننا، ففاضَ قلب سمعان الشيخ المنتظر خلاص الرب فرحَاً وتهلل قائلاً: "الآن تطلق عبدك يا رب بسلام لأن عيني قد أبصرتنا خلاصك".

بميلاد المسيح أيها الأحباء تحقق وعد الله بخلاص البشرية " إذ افتقد وصنع فداء لشعبة" ( لو 1: 67)
بميلاد المسيح تحقق وعد الله لإبراهيم أنه بنسله بالإيمان يتبارك كل سكان الأرض.
بميلاد المسيح تحقق ما تاقت إليه الأجيال وشغفت إليه القلوب وانتظره المؤمنون طويلا.
بميلاد المسيح ظهرت رحمة الله متجسِّدةً بالطفل يسوع وفاتحة باب الخلاص بدرب الصليب والقيامة.

"عزوا عزوا شعبي يقول إلهكم"

نعم، إن ميلاد المسيح المعجزي ليس من زرع بشري بل بقدرة الله وبعمل الروح القدس قد جدد آمال البشرية بعالم أفضل وبخليقة جديدة، .. فجال المسيح يصنع خيراً ويشفي كل ضعف في الشعب.

لذلك فالميلاد اليوم بمفهوم اشعياء النبي هو دعوة إلهية لكل وَطَاءٍ لكي يرتفع ولكل جبل وأكمة كي ينخفض ( إش 40: 5) أي هو دعوة للنفوس الضعيفة للنفوس المكتئبة للنفوس القانطة أن ترتفع فلا تعد مجرد وطاء أي وادٍ تجري به السيول وتغمره وتدمر معالِمَهُ،

وكذلك الميلاد هو دعوة لكل جبل وكلِ أكمة كي ينخفض، أي أن تنزع النفوسُ منها روحَ الكبرياء والشموخ والتعالي، فكل إنسان إنما هو عشب وجماله كزهر الحقل. العشب ييبس وزهره يذبل وأما كلمة الرب فتثبتَ إلى الأبد.(ع 8).

نعم، تكلم الله إلينا في ليلة عيد الميلاد، ..وكلمته كانت لكي تنزعَ الخوف من قلوب الناس، وتبعث فينا العَزمَ على بناء الفردوس المفقود.
لذلك، ليس الميلاد مجرد شجرة وزينة ومباهج ولكن الميلاد هو محبة .. هو رحمة .. هو عطاء لا محدود
.. الميلاد هو العمل الجاد من أجل السلام والحرية والعدالة والمساواة.
.. الميلاد هو إدخال الفرحة للمحروم منها، ..
.. هو رسم الابتسامة على وجه من فقدها،
.. هو افتقاد اليتامى والأرامل،
.. هو تقديم الخدمة للمحرومين وللفقراء وللمساجين
.. هو دعم للاجئين وتمكينهم لحياة كريمة

وليس أجمل من صلاة القديس فرنسيس الأسيسي والمعبرة عن روح الميلاد وجوهره: يا رب اجعلني أداة لسلامك، فأنشر المحبة حيث البغضاء، والتسامح حيث الإساءة، والوفاق حيث الخصام، والحقيقة حيث الضلال، والإيمان حيث الشك، والرجاء حيث اليأس، والفرح حيث الحزن.

واجعلني أيها المعلم الصالح، أسعى إلى تعزية غيري، لا إلى تعزية نفسي. وإلى تفهم الناس، لا إلى تفهمهم إياي. وإلى محبتي لهم، لا إلى محبتهم لي.

فإننا في العطاء نأخذ. وفي الغفران ننال الخير. وفي الموت نحيا حياة آبدية. آمين.

جعل الله أيامكم كلها أيام محبةٍ ورحمة وعطاء، عندها يتحقق وعد المسيح فينا أننا سفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا.

وكل عام وأنتم بألف خير وبلدنا الأردن بخير ومليكنا عبد الله الثاني ابن الحسين بألف خير وخير.