موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٥ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٩
المونسنيور خالد عكشة: كيف أكون حارسًا لأخي؟
فيما يلي النص الكامل للمداخلة التي ألقاها المونسنيور خالد عكشة، رئيس مكتب الحوار وأمين سر لجنة العلاقات الدينية مع المسلمين في حاضرة الفاتيكان، خلال مشاركته في أعمال المؤتمر الأول للقاء المشرقي، في لبنان

بيروت - أبونا :

 

"هل أنا حارسٌ لأخي؟" (تكوين 4، 9)

 

كان هذا، كما تعلمون، جوابَ قاين على السؤال الإلهي الحاسم -"أين هابيل، أخوك؟"- بعد قتله لأخيه. هذا الجواب، الذي جاء بصيغة تساؤل استنكاري، لم ينل من الله ردًّا كلاميًا، انّما حُكمًا يؤكّد بشكل قاطع على أن قاين كان حقًا حارسًا لأخيه.

 

وأودّ، في إطار لقائنا الخيّر هذا، أن أركّز على الحراسة، التي تتجلّى كقيمة أساس في الحياة الإنسانية، وعلى أكثر من صعيد.

 

أرى جازمًا أن اللبناني حارسٌ لوطنه، لأمنِ لبنانه وسيادةِ دستوره وقوانينه، ونقاءِ هوائه، وصفاءِ مائه، ونظافةِ ترابه، وشموخِ أرزه، كما على الخيرِ العام والمالِ العام. وقبلَ كل شيء، هو حارسٌ لأخيه اللبناني.

 

اللبناني حارسٌ كذلك للبنانِ الرسالة، رسالةِ التعددية والعيش المشترك والعدالة والمساواة بين المواطنين، على اختلاف أعراقهم وأديانهم وطوائفهم وتوجهاتهم السياسية والحزبية، رسالةِ القداسة والكرامة الإنسانية وحقوقِ الانسان، وعلى رأسها حريةُ الضمير والحرية الدينية. ويتميّز لبنان، بل يتفرّد، على صعيد المنطقة، باحترام الحرية الدينية بكل تصاريفها، بما في ذلك حريةُ تغيير الدين أو حتى البقاء دونَ دِين. لا يعني هذا بالطبع مباركةَ تغيير الدين كالثوب، ولا تشجيعَ البقاء دونَ دين، انّما الوقوفُ باحترام، دولا ودساتيرَ وقوانينَ ومؤسساتٍ وأفرادًا، خارجَ قدسِ أقداس ضمير كل انسان. ومن الضرورة بمكان التأكيدُ على أنّ حقّ العبادة ما هو إلا جزءٌ من الحرية الدينية، وليس مجملَها.

 

ولبنان، الذي ائتُمن اللبناني عليه، هو بلدُ الحضارة والثقافة والفنّ والعلم والجمال والمغامرة والتنوّع والعيش المشترك، بالرغم مما حدث من خلافات ونزاعات بين أبنائه.

 

لبنان هو كذلك كنز يُخرِج منه أبناؤه وغيرُهم القديمَ القيّم ويجدون فيه كذلك الجديدَ المُبهج. هو أرشيفٌ حيّ للأديان والطوائف التي يقطُن أتباعُها جبالَه وسهولَه وشواطئه ووديانه.

 

واذا كان لبنانُ في حراسة كل بناته وأبنائه، فهو أوّلا، كما هو معلوم، في عُهدتكم وحراستكم، يا صاحبَ الفخامة، بحُكم المسؤولية التي ألقاها مواطنوكم على عاتقكم وقبلتموها عن طوع. والرئاسة، كما علّمنا السيد المسيح، هي أوّلا خدمةٌ تؤدّى، ويؤدِي الانسان عنها حسابًا أمام ضميره وأمام من حمّله المسؤولية، ولاحقًا أمام الله. وقد أتيتم، فخامتُكم، الى سُدّة الحكم من مَسؤولية في غاية الأهمية والرِفعة، أعني قيادةَ الجيش. وكم هي نبيلةٌ القيمُ العسكرية، من شجاعة وانضباط وإخلاص للوطن وتضحية في سبيله، حتى بذلِ الدم.

 

وأمّا مؤسسو "اللقاء المشرقي"، فهم حاليًا -أو كانوا سابقًا- من حَمَلة المسؤوليات الجسام، ومن مُحبّي لبنانِهم وشرقهم، اتفقوا على العمل معًا لخدمة الوطن والشرق الذي هو جزء مميَز منه، من خلال البحث والحوار والفكر والموقف والكلمة. ولرئيسِهم، معالي السيد جبران باسيل، وزيرِ الخارجية والمغتربين، ولسعادةِ السيد حبيب أفرام ، أمين سرّ اللقاء، شكري وتقديري على توجيه الدعوة إلي لأكون معكم في هذا المؤتمر.

 

إضافةً، فان لبنانَ هو في حراسة كلّ شرقي، لأن لبنانَ كنزٌ للمشرق ورسالةٌ لأهله وللعالم بأسره.

 

والشرق وطن لأبنائه على اختلاف أعراقهم وأديانهم وطوائفهم. وهذه التعددية هي، في الوقت نفسه، تعددية ثقافية وتراثية ولغوية. ومن الأهمية بمكان أن تحظى الآرامية، لغةُ السيد المسيح له المجد، ومعها السريانية، وتراثُهما، بالرعاية المناسبة، لأنهما وليدتا هذه البقعة من الشرق.

 

في شرقنا الغالي، المسيحي -أيّا كانت طائفته- حارسٌ لأخيه المسلم، سواء كان من السنّة أو الشيعة أو الدروز الموحدين أو العلويين؛ والمسلم حارسٌ لأخيه المسيحي، ضِمنَ عَقد وُلد ونما على امتداد مئات السنين، وُهو ثمرَةٌ لطيبة أبائنا وأجدادنا وحكمتهم، ولقيَمنا الشرقية الأصيلة، من إجلال للجار وشهامة وكرم وضيافة.

 

شرقٌ دونَ مسيحييه –لا قدّرَ الله– أو بقلّةٍ منهم، فقيرٌ، ضعيف، متناحر، لأنه يكون قد خسر مكوّنًا أصيلا وأساسيًا من مكوّناته، لا لأنّ المسيحي أفضلُ من المسلم، بل لأنه أخٌ للمسلم، مختلفٌ عنه ومكمّل له في آن.

 

وختامًا، نسأل الله تبارك وتعالى، محبّ البشر والقديرَ على كل شيء، أن يحرسَ لبنان ويجنّبه المخاطر، وأن يُبارِك شعبه ورئيسَه وحكومته، وأن يرعى شرقَنا ويعزّز فيه الأخوّة بين كل مكوّناته، كما السلامَ والأمنَ والنموّ والازدهار.

 

وبعد شكر الله، أشكركم جميعًا على حُسن إصغائكم.