موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢٣ يناير / كانون الثاني ٢٠١٩
المواطنة وأسئلة العدالة والشفافية!

د. محمد القضاة :

القراءة الأولية لما يكتب حول موضوع المواطنة والعدالة والشفافية، يثير أسئلة سلبية كثيرة؛ لان من يتعاملون مع هذا المفهوم لا تتجاوز رؤيتهم صورة الحروف التي تدبج فيها هذه الكلمات، وما نعاينه على ارض الواقع فقاقيع لمّاعة لا تغري في فتح النقاش، لكثرة الآراء التي لا تتفق فيما بينها على المفهوم نفسه، والسبب كل طرف يريد ان يسحب البساط من تحت قدم الاخر؛ لاختلاف المشارب والمصالح والنظرات الضيقة التي تؤطر كل واحدة منها لنفسها رؤية خاصة بها، مع ان الموضوع برمته لا يحتاج الى فلسفة وجدال وتفصيل مقاسات متباينة، والمفهوم ينطوي على معان سامية في معادلة البناء والانجاز والانتماء للدولة والوطن، وهو انتماء الفرد إلى ترابه وأهله وجنسه ودمه ودولته؛ أنتماء يعزز البناء والعطاء، ويخضع للقوانين ويتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات تجاه الدولة والأمة التي ينتمي اليها، والعنصر الأساسي في المواطنة الانتماء الذي لا يتحقق دون تربية حقيقية وضرورية لتحقيق المواطنة التي تعطي كل ذي حق حقه، من مثل الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية؛ وتتمثل السياسية بالانتخابات التشريعية والبلدية والاحزاب وتقلد المناصب، فضلا عن الواجبات المستحقة على المواطن والتي لا تقل عن تلك الحقوق المطلوبة، إضافة إلى العدالة والحرية والمساواة، وهي أساس تـنظيم العلاقة بين مفهومي الحرية والمساواة، والعدل أمر الله سبحانه وتعالى به في كتابه الكريم، وفيه تستقيم الأمور وتسير في مسارها الصحيح، وبه تطمئن النفوس لنيل حقوقها واستيفائها، قال تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى)، ويقول القرطبي في تفسيره لهذه الآية؛ روي عن عثمان بن مظعون أنه قال: لما نزلت هذه الآية قرأتها على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فتعجب، فقال: يا آل غالب، اتبعوه تفلحوا، فوا الله إن الله أرسله لأمركم بمكارم الأخلاق. وقوله تعالى: (اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)؛ العدل هنا أقرب إلى التقوى وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالعدل حين قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل. وهل ننسى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطع محمد يدها »، أما أفلاطون فكان يرى في جمهوريته أنّ العدالة الاجتماعية، تعني أن يحتل كل فرد في المجتمع المكانة التي يستحقها.

ان من واجبات المسؤول تحقيق مبدأ العدل مع الجميع حتى يشيع الطمأنينة في النفوس ويخلق روح التنافس والانتماء والعمل باخلاص، وحينها تختفي ظواهر الحسد والتباغض والكره والنفاق والقفز على الرقاب، ولذلك، تعد سياسة الاسترضاء واحدة من وجوه غياب المواطنة والعدالة، وقد أصبحت مع مرور الزمن تقليدا غريبا يرتقي الى مرتبة الحق، وبالتالي جاء الى بعض مواقع المسؤولية اشخاص لا يعرفون شيئا في الادارة والقيادة غير مصالحهم. إذاً، لا بد من التصدي لسياسة الاسترضاء والتنفيع؛ خاصة أننا أمام صور ومفارقات كثيرة تستوجب التصدي لها وتحويل البوصلة إلى وضعها الطبيعي، إذ لا يمكن ان تبقى البوصلة في مؤشرات محددة ولا تقبل الحركة تجاه خزّان الموارد البشرية الحقيقي في بلدنا الحبيب، حيث لا يعقل ان يتم إغفال ذلك لصالح أشخاص لا يملكون الكفاءة والخبرة والجدارة والانتماء، وهنا يطالب الجميع محاربة سياسة الاسترضاء والتنفيع بلا هوادة حتى لا يبقى الانطباع العام لدى الناس من أنّ الوساطة والمحسوبية هي الطريق الوحيد للوصول الى الموقع العام، وهو انطباع وسلوك يجب أن ينتهي الى غير رجعة، وبالتالي لا بد من إحياء ثقة المواطنين في المؤسسات الدستورية، وبعث التضامن في نفوس الأفراد الذين لا يكترثون سوى بأنانيتهم الإستحواذية؛ وفي الختام لا نريد أن نسمع أصوات المحتجين على غياب العدالة التي تسبب العنف والفوضى، وبلدنا أولى بالنهوض والتقدم والاستقرار والحياة الفضلى. والأمل بمؤسسات الدولة أن تعيد النظر بكل من يفشل في خدمة الوطن والمواطنين، وأن يريحوا الوطن من كل من يفشل في إدارة مؤسسته؛ وهناك العديد من هؤلاء الذين فشلوا فشلاً مريعاً، فليكن الاختيار على أسس الكفاية والجدارة والخبرة، ولتتذكر أنّ الناس في ظل تنامي جيوب الفقر لا يحسبون حساباً للربح والخسارة، ووطننا أولى بالأوفياء والمخلصين والأنقياء من هؤلاء الذين يسقطون عليه بمظلات النواب ووساطاتهم، وهذه كما تعرفون تفرّخ القهر والظلم وغياب العدالة والشفافية، نريد للعدالة أن تستجيب لميزان الشفافية والمواطنة.