موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٣١ مارس / آذار ٢٠١٩
الملك عبدالله الثاني في أسيزي

د. مهند مبيضين :

عام 1219م بينما الحملة الصليبية الخامسة تحاصر دمياط المصرية، وصل راهب إيطالي اسمه فرانسيس الاسيزي (1181- 1226م) إلى خيمة السلطان الايوبي الكامل (ت: 1238م) كان الراهب فرانسيس قد هاله مشهد القتل والحرب، واعجب السلطان الكامل ابن اخ السلطان صلاح الدين بتقواه وورعه، كراهب اوروبي يُدين الموت والحرب معاً.

لكن ماذا حدث في ذلك اللقاء؟ نشر الباحث روبرت بوفال ورقة علمية حول الزيارة بعنوان القديس والسلطان، وبين أن فرانسيس عرف بتبجحه وجهره بالمعارضة للحرب والبابا انوسنت الثالث، مذكرا إياه بالمهمة الرسولية للانجيل، وكان انوسنت هو من اصدر قرارا بابويا بشأن الحملتين الرابعة والخامسة، والهدف في الخامسة مصر الأيوبية، وارسلت قوة ضخمة من ايطاليا لمصر للاستيلاء على مدينة دمياط.

كان من الطبيعي أن يقال بأن فرانسيس الذي تسلل إلى خيمة السلطان الكامل قد عرض نفسه للتهلكة، وأنه رغب الموت، والروايات تؤكد انتقال فرانسيس للمعسكر المسلم وأنه تحدث مع السلطان وعاد بأمان، وفي عام 1228 كلف البابا غريغوري التاسع الشغوف بحياة فراسس احد الرهبان وهو توماس سبلانو بكتابة مذكرات فرانسيس، وتقول الرواية أن فرانسيس تحدث للسطان الذي أكرم الراهب الضيف، وعاد دون أذى.

عام 1330 نشرت رواية أخرى عن اللقاء واكدته، وفي النهاية يشدد الدارسون للقديس فرانسيس الأسيزي على ان اللقاء تم، وانه بحث السلام وعقد هدنة طويلة الأمد في مسعى حثيث منه لوقف الصراع وشلال الدم بين الشرق والغرب، وهذا التراث هو الذي قامت عليه جائزة مصباح السلام، التي منحت لجلالة الملك عبدالله الثاني، أول امس الجمعة.

تحدث الملك عن القدس وعن حق الهاشميين التاريخي في رعاية المقدسات، في أحد أعمق مؤسسات التاريخ الأوروبي الديني في زمنه الصراعي، وتحدث عن الإسلام والإرهاب، ملقيا بأجوبته المعرفية أمام الغرب في الحوار الذي دار مع طلبة الرهبنة في قاعة صالون البابا وبمشاركة المستشارة الألمانية السابقة ميركل، بصفته ملك دولة وحكومة الشرق العربي التي أسست قبل مائة عام لكل العرب المسلمين مسيحيين ومسلمين، في مقر طائفة الفرنسيسكان في بلدة أسيزي الغنية بتراث الرهبنة الذي أسسه القديس فرانسيس الأسيزي، والذي زار المشرق لهدف سامٍ، بوصفة داعية لرسالة السلام والحرية والعدالة، ونبذ الكراهية، ورافضا لكل اشكال التطرف.

هو لقاء مع الأردن الراهن اليوم، بصفته بلد السلام، الذي يعد جوهرة الجغرافيا العربية التي مرت عليها جيوش الامبراطورية والحروب والصراعات، وهو بلد يزدهر اليوم ويتماسك بوعي قيادته وشعبه، ضد التطرف في زمن عربي قلق وغربي أكثر تطرفا وتوحشاً.

(الدستور)