موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ١ مارس / آذار ٢٠١٨
المعرفة والحرية

د. صلاح جرار :

للحريّة أبوابٌ كثيرة لعلّ من أهمّها المعرفة، وإذا تحقّقت حريّةٌ من غير معرفة فإنّها ستكون حريّة فارغة من المضمون ومن أيّ قيمة ومعرّضة للزوال، لأنّ المعرفة تضفي على الحريّة معنىً وتوجّهها في خدمة من يمتلكها، كما أنّ المعرفة ذاتها هي شكل من أشكال التمتّع بالحريّة، لأنّها النور الذي يضيء الطريق إلى الحريّة، ومن لا يمتلكها لا يمكن أن ينال الحريّة ولا أن يحسن التصرّف بها.

إنّ الحريّة من بعض زواياها هي التحرك والانطلاق في فضاء أوسع، وما دام الإنسان لا يستطيع أن يتحرك دون معرفة بالاتجاه الذي يسير فيه، فإنّ المعرفة تصبح شرطاً أساسيّاً للتحرك في أيّ اتجاه، وما لم يمتلك هذا الشرط فإنّه إمّا أن يتحرّك في اتجاه قد يودي به إلى الضياع أو الهلاك، أو لا يتحرك بأيّ اتجاه فيصبح مقيّداً فيفقد كلّ حُلمٍ بالحريّة.

إنّ كلّ ما تؤدي إليه المعرفة يؤدّي إلى الحريّة، فالمعرفة مصدرٌ من مصادر قوة الأمم، ومتى امتلكت الأمّة القوّة التي تساعدها على الصمود في وجه التحديّات سواءً أكانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم أمنية أم طبيعية، فإنّها ستصبح قادرة على تحقيق حريّتها، ولذلك فإنّ الأمم القويّة قلّما تتعرض للاحتلال، وإذا تعرّضت للاحتلال فإنها بمعرفتها وقوتها الناتجة عن المعرفة تستطيع أن تتحرّر من ذلك الاحتلال.

والمعرفة توسّع أفق من يمتلكها من الأفراد أو الجماعات وتتيح له أن ينطلق في ذلك الأفق بحريّة، وتمكّنه من التعامل المناسب –استناداً إلى معرفته- مع كلّ شيء يواجهه.

والمعرفة تطلق الخيال الذي يعبّر عن حريّة التفكير والتخطيط للمستقبل.

والمعرفة سبيلٌ إلى السعادة التي هي شكلٌ من أشكال التمتع بالحريّة، وبالمعرفة يدرك الإنسان ما ينفعه وما يضرّه ويتمكّن من معرفة صديقه من عدوّه، وما يعيق تقدّمه وما يسهّل طريقه، وتلك أمورٌ لا غنى عنها لنيل الحريّة وحمايتها والتمتع بها، ومن دونها يبقى الإنسان مقيّداً بقيود الجهل والاعتماد على الآخرين الذين يفرحون لجهله كي يستعبدوه ويبقى عالة عليهم.

وعليه، فإنّ المعرفة هي السبيل الأوضح والمنهاج الأنجح لنيل الحريّة وإحراز التحرّر من أيّ عدوّ كان وتحقيق التقدّم والرفعة و التخلّص من الطامعين والأعداء.

إنّ أكثر الشعوب تحرراً واستمتاعاً بالحريّة واستثماراً لها هي الشعوب المتسلحة بالمعرفة، لأنّ المعرفة هي التي تجعل من الحريّة سلوكاً حضاريّاً مسؤولاً وتمنح صاحبها ثقة كبيرة لا يخشى معها انحرافاً أو فساداً.

وأهم طريق لتحقيق المعرفة المؤدية إلى الحريّة هي التعليم العام والعالي والعناية بمؤسساته إلى أقصى حدود العناية والاهتمام بتنوع حقوله وتطوير أساليبه.

(نقلا عن الرأي الأردنية)