موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٨ أغسطس / آب ٢٠١٩
المعجزة من الإيمان، وليس الإيمان من المعجزة!

الأب ألبير هشام نعّوم :

قرأنا يوم الأحد الماضي، بحسب طقس الكنيسة الكلدانية، إنجيل الغني ولعازر. وفي نهاية هذه القصّة يجري حوار بين الرجل الغني وابراهيم، يطلب فيه الغني أن يذهب لعازر لأخوته الخمسة لينبههم على الطريق الذي يسلكون فيه لئلا يأتوا إلى موضع العذاب هذا. فيجيبه ابراهيم بأن لديهم موسى والأنبياء، فليستمعوا إليهم. عندها يطلب الرجل الغني معجزةً معتقدًا أنها السبيل الوحيد الذي سيهدي أخوته، فيقول لابراهيم إنه إن قام واحدٌ من بين الأموات يتوبون. فيجيبه ابراهيم أنهم إن لم يسمعوا لموسى والأنبياء فحتّى لو قام واحدٌ من بين الأموات لا يصدّقون (راجع لوقا 16/ 19-31).

مثل الغني ولعازر يعطينا صورةً واضحة عن العلاقة بين الإيمان والمعجزة، فالرجل الغني أراد أن "يؤمن" أخوته بعد أن يروا معجزةً عظيمة في عودة لعازر إلى الحياة، بينما ابراهيم يدعوهم من خلال أخيهم أن يؤمنوا أولاً كي يروا معجزةً، ليس فحسب، لا فائدة من المعجزات جميعًا إن كان الإنسان لا يؤمن، ولن يرى الإنسان المعجزات التي يصنعها الله يوميًا إن لم يؤمن أولاً!

وهذا يتّضح في الكثير من معجزات الشفاء التي قام بها يسوع، فقبل أن يجري ربّنا المعجزة، يسأل: هل تؤمن؟ وعندما يعلن المريض عن إيمانه، عندها ينال نعمة الشفاء. ولم نسمع أن أحدًا آمن بعد أن رأى معجزة، بل نسمع في الإنجيل عن أناسٍ آمنوا ولذلك حدثت لهم المعجزة. فالإيمان يسبق المعجزة، ولكن المعجزة لا تحدث بدون إيمان!

لماذا نؤكد هذه الحقيقة اليوم؟ هناك كثيرون يشتكون من أن الله لم يعد يصنع المعجزات كما كانوا ولا زالوا يسمعون عنها في الإنجيل! ومن قال إن الله لا يصنع معجزاتٍ اليوم؟! إنه يصنع يوميًا ولكننا بحاجة إلى إيمانٍ لكي نراها، إلى إيمان عميق بربّنا يسوع نابع من ثقة عظيمة بشخصه.

وهناك ناس لا يؤمنون إن لم يروا المعجزات أولاً، على مثال توما الذي أراد أن يرى يدي الربّ ورجليه ليصدّق أن المسيح قام، فأراه يسوع يديه ورجليه ولكنّه أعطى الطوبى لمن آمن ولم يرى، فقال لتوما: "لأنّك رأيتني (رأيت المعجزة) آمنتَ، طوبى للذين لم يروا وآمنوا!" (يوحنا 20/29).

لا يصنع الربّ المعجزات ليثبت "قدرته" على بني البشر، بل ليثبت بالأحرى "حبّه" لهم. فربّنا لا يحتاج إلى إثبات سلطانه ولكنه يرغب في إثبات حبّه للمؤمنين به. فالمعجزة هي مرحلة عظيمة من الإيمان بربّنا، تكلل مسيرةً من الثقة المتبادلة بين الربّ والمؤمنين به. فلنؤمن لكي نرى حتّى في أصغر الأمور معجزات الله العظيمة!