موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٨ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٨
المطران بيتسابالا: هي نعمة كبيرة أننا في الأردن نكوّن عائلة واحدة

عمان – أبونا :

فيما يلي النص الكامل لكلمة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا، المدبر الرسولي لبطريركية اللاتين في القدس، خلال احتفالية كنائس المملكة بعيد الميلاد المجيد والسنة الجديدة، بحضور الملك عبدالله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولفيف من الشخصيات الرسمية والدينية، من الأردن وفلسطين.

صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني، حفظه الله وأدامه،
فخامة الرئيس محمود عباس،
سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد،

كل عام وجلالتكم، وجميع العائلة الهاشمية، والعائلة الأردنية الواحدة، بالخير والاستقرار والطمأنينة.

يقول الإنجيل المقدس، إنه لما ولد يسوع المسيح في بيت لحم، ظهر الملاك لبعض الرعاة، الساهرين في الجوار على ماشيتهم، ومجد الله أشرق حولهم، وقال لهم الملاك: إني أبشركم بفرح عظيم: ولد لكم اليوم مخلص". وقال الرعاة بعضهم لبعض: "لنذهب إلى بيت لحم ونرى هذا الأمر العظيم الذي أعلمنا به الرب" (لوقا 2: 10، 15). ونحن اليوم أيضًا نذهب إلى بيت لحم، لنرى كما في كل سنة، الحدث العظيم الذي حدث فيها، وتتمة وعد الله فيها، إذ أصبح (يسوع) واحدًا منا، وسنلتقي قريبًا في بيت لحم.

نذهب كل عام إلى بيت لحم حاملين آمالنا وآلامنا نضعها أمام كلمة الله، ونسأله أن يتحنن علينا ويرحمنا، وأن يملأ بفرح العيد قلوبنا ونفوسنا. بالرغم من كل الصعاب التي تتعرض لها منطقتنا والعالم، نحن عازمون على ألا نترك الفرح يهجرنا في هذه الأيام. لا نريد أن نطفئ أضواء الميلاد التي تزين شوارعنا ومسارحنا وتضيء نفوسنا، ولا أن نُسكِت ألحان العيد ورسالته. بل نريد، مثل الرعاة، أن نعبّر عن فرحنا.

في الأردن كانت في هذا العام نعم الله علينا عديدة. أولها نعمة العيش المشترك والحوار الذي يقرب بين المؤمنين في دياناتهم المختلفة. والنعمة الثانية، روح رسالة عمّان، التي ما زالت تغذي روح الاعتدال وقبول الآخر والاحترام المتبادل. وهي نعمة كبيرة أخيرًا أننا في الأردن، في ظل جلالتكم، نكوِّن عائلة واحدة. إن الأردن ولو كان صغيرًا في حجمه إنما هو حجر الزاوية لاستقرار المنطقة كلها.

ولكن، في المنطقة، هناك ما يدعو إلى القلق والخوف على أنفسنا وعلى كنائسنا. في الواقع، كان علينا في هذه السنة الماضية أن نواجه صعابًا كثيرة هدَّدت استقرار جماعاتنا ولا سيما في القدس. جماعاتنا المسيحية صغيرة من حيث العدد، ولكنها نشطة وفاعلة وخادمة في مؤسساتها الكثيرة ومدارسها ومستشفياتها. هكذا تسهم في بناء المجتمع يدًا بيد مع جميع المواطنين، وذلك لبناء الأمة، وللمحافظة على هوية القدس وطابعها الشمولي، مدينةً مقدسةً للديانات الموحدة، لجميع أبناء ابراهيم، كما يؤكد على ذلك مرارًا البابا فرنسيس في كل المناسبات.

كان علينا في الأشهر الأخيرة، مع الأسف، أن نرفع صوتنا مرات كثيرة لتثبيت حريتنا واحترام مؤسَّساتنا. ولإسماع صوتنا في العالم كله، أُجبِرنا على اللجوء إلى إغلاق كنيسة القيامة، إذ وجدنا أنفسنا أكثر من مرة في وسط الصراعات السياسية، وتعرضنا للقرار أحادي الجانب لفرض الضرائب على مؤسساتنا الدينية، والذي كان تهديدا مباشرًا لبقائنا، وبقاء نشاطاتنا الاجتماعية والخيرية.

وعليه، فإن عدم الاستقرار السياسي في المنطقة، خاصةً في سوريا والعراق، إضافةً الى التوازن المتغير اقليميًا وعالميًا، والذي يرافقه ركود اقتصادي، يخلق ارتباكًا ويثير مخاوف لدى الناس. وفي بعض المرات، تولد أزمة داخل مجتمعنا بسبب رسم ديني تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة البرق، فيسبب احتقانًا وتوترًا نحن في غنى عنه. لذا بات لزامًا علينا العمل معًا -وهذا ما حدث- للمحافظة على صلابة وثبات التوازن المجتمعي والديني.

صاحب الجلالة، في هذه المناسبة، إننا نجد في جلالتكم ملجأ في الشدائد، فقد كنتم وكانت العائلة الهاشمية دائمًا ليس فقط حارسًا للأماكن المقدسة، بل أيضًا ضامنًا للسلام الاجتماعي والديني في الأردن وفلسطين. إننا ندعم جهودكم ومساعيكم لضمان إسماع صوت شعبكم، مسيحيين ومسلمين، في جميع الهيئات الإقليمية والدولية، وحتى يتم الحفاظ على التوازن الدقيق في المدينة المقدسة، ويُسمَع صوت فقراء الأرض المقدسة، فيجدون مكانهم فيها ويُعامَلون بحسب العدل والحقيقة.

في هذه المناسبة، أود أن أهنئ جلالتكم بحصولكم على جائزة تمبلتون التي قدمت لكم مؤخرًا، تقديرًا لما تقومون به في تعزيز الحوار والاحترام المتبادل في بلدكم وفي المجتمع الدولي. بصفتي راعيًا دينيًا، أشيد أيضًا بقراركم بالتوجيه بإصدار عفو عام، وهي علامة على التسامح والرحمة. في هذه المناسبة أيضًا أود أن أشكر العائلة الهاشمية على الدعم المستمر للكنائس في احتياجاتها المختلفة، من خلال سمو الأمير غازي، ومكتبه.

ليبارك الرب جهودنا جميعًا في بناء مجتمع أفضل، وكلمة الله الذي قرر أن يولد في بيت لحم وأن يسكن بيننا، فليرافقنا في مجتمعاتنا، وليحلَّ في بيوتنا وفي قلوبنا. كل عام وأنتم جميعا بخير.