موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الأحد، ١٩ أغسطس / آب ٢٠١٢
المطران بولس ماركوتسو.. إيطالي عاشق للغة العربية

الناصرة - وديع عواودة :

 

جياشينتو-بولس ماركوتسو، الإيطالي الأصل، النائب البطريركي للاتين في مدينة الناصرة، عاشق للغة العربية ومعجب بالنصوص القرآنية وناشط من أجل التقارب بين المسيحيين والمسلمين.

 

يشغل المطران ماركوتسو، الذي ولد في ضواحي مدينة البندقية عام 1945، اليوم مطران الكنيسة اللاتينية في مدينة الناصرة داخل أراضي 48، وقد وصل إلى بيت جالا الفلسطينية عام 1960 طالباً لتعلم اللغات واللاهوت. يتقن المطران ماركوتسو الفرنسية والألمانية والإنجليزية بمستوى رفيع، علاوة على معرفته الأكاديمية باليونانية واللاتينية والعبرية، لكن أقرب اللغات إلى قلبه بلا منازع هي العربية -كما يقول- وهو يتقنها.

 

قصة حب العربية

 

"الجزيرة نت" زارت المطران ماركوتسو بمنزله في الناصرة بجوار كنيسة البشارة فاستعرض مطولاً شغفه ومعرفته العميقة بالشرق وقصة حبه بلغة الضاد، تارة بلغة فلسطينية دارجة وتارة بعربية فصيحة.

 

بعدما ارتسم كاهنًا في كنيسة الجسمانية في القدس عام 1969 أنهى المطران ماركوتسو دراسة الدكتوراه باللاهوت العقائدي بجامعة روما الكنسية وهناك اكتشف الأدب العربي المسيحي القديم الذي يدرسّه لطلابه في جامعة بيت لحم منذ سنوات.

 

ويوضح المطران ماركوتسو أنه تعرف على العربية ووقع في حبها من خلال اطلاعه على المخطوطات العربية القديمة التي يُحتفظ بآلاف منها في أديرة الشرق والغرب. وأشار إلى أنه امتلك ناصية العربية بفضل أبحاثه، ويتابع ضاحكًا: "من عاشر القوم 40 يومًا صار منهم فما، بالك بـ52 عامًا قضيتها في البلاد والشرق". بالنسبة للكاهن الإيطالي الأصل لا مقارنة بين العربية وبقية اللغات التي يجيدها خاصة الجديدة منها لأنها لا تتمتع بعمق ودقة وتنوع وتعبير لغة الضاد وجمالها.

 

العربية لغة المخاطب

 

ويتابع جازمًا "العربية ليست مجموعة كلمات فهي حاضنة تفكير وثقافة. اللغات الأجنبية هي لغة من يتكلم بينما اللغات السامية خاصة العربية هي لغة من يستمع والذي تريد مخاطبته". ويكشف المطران الذي ينشط في مجال تعزيز الروابط بين المسيحيين والمسلمين أنه ختم قراءة القرآن وأبهرته لغته المتينة الجميلة، لافتًا إلى أنه أدرك معانيه بشكل عام، "وأعجبت بوفرة الآيات عن السيدة مريم العذراء".

 

المتنبي والجاحظ

 

كما قرأ الكثير من نتاج الأدب العربي الكلاسيكي وأعجب بالمتنبي، السليط اللسان، وبالجاحظ، المتميز بحرية تفكيره وشفافية قلمه، وتمنى المطران ماركوتسو أن يكون الأدب العربي المعاصر بهذه الخصائص، ويقول: "الأدب هو الحرية. لكن الشاعر العربي المحبب إلى قلبه هو نزار قباني، بفضل شعره الموسيقي الحّر وبأوزانه ومحتواه.. لكن المطران ماركوتسو الذي يحتفظ بمكتبة ضخمة في بيته المتواضع يحب الشاعرين الراحلين أحمد شوقي ومحمود درويش والشاعر سميح القاسم.

 

ويكشف المطران ماركوتسو أنه جاء لفلسطين محملاً بفكرة مسبقة سلبية عن العربيّة مثله مثل بقية الأوروبيين، وما لبث أن اكتشف تميزها وندرتها، قائلاً: "أدركت أنها لغة الأسرار السحرية خاصة بعدما تنبهت لتنوع أفعالها من فعل وأفعل واستفعل... وقوة تعبيرها". وبحكم تجربته الغنية في اللغات يؤكد المطران ماركوتسو أنه من المستحيل تعلم العربيّة وأي لغة دون أن تحبها أولاً، مشددًا على أن الإنسان يتعلم اللغة بقلبه أولاً قبل عقله.

 

النحو والصرف

 

ويقول إنه لا يتردد في إسماع ملاحظاته بشكل مؤدب ولطيف لمن يقع في أخطاء لغوية، ويستفزه من ينصب المرفوع أو يجر المنصوب، ويستذكر نقاشاته حول قواعد العربية حتى مع البطريرك ميشيل صبّاح، بطريرك اللاتين السابق، الذي يجيد العربية بمستوى رفيع. كما يشير إلى أنه راضٍ عن مستوى العربية في بلاد الشام، ويوضح أن الكنيسة تحرص عليها في مدارسها الأهلية لكنه يستغرب معارضة بعض الأوساط لتطورها محذراً من انغلاق اللغة.

 

ويؤكد أنه لا يدعو إلى التحرر من قواعد النحو والصرف بل يدعو إلى استيعاب مصطلحات أجنبية، لافتًا إلى أن العربية لغة عملاقة واثقة بذاتها، وقادرة على هضمها. ويتابع "لا بأس من القول ’مذياع‘، ولكن لا يجوز اعتبار ’راديو‘ هرطقة لغوية، فاللغة نتاج تلاقح حضارات وثمرة علاقات حب".

 

ويتفق المطران ماركوتسو مع المفكر الراحل إدوارد سعيد في انتقاده المستشرقين لأنهم عادة يعرفون الشرق معرفة سطحية مثل بيرنارد لويس. لكنه يدافع عن بعض المستشرقين ممن كرسّوا حياتهم لفهم الشرق ومساعدته في فهم ذاته أمثال الكاهن المستشرق الألماني جورج غيورغراف الذي وضع لائحة المخطوطات العربية في العالم.

 

نقلاً عن "الجزيرة نت" بتصرف