موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٢٧ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٨
المصاب مصابنا

بشار جرار :

في الأحزان الكبيرة تتجاوز حرقة الألم أواصر القربى والجيرة وحتى الوطن، ليتداعى الحس الإنساني في أنبل صوره تعبيرا عن العزاء بمقولة: المصاب مصابنا. هو ذلك الحزن الذي يتساوى فيه الناس في حقيقة فقد ألمّت بهم أو فقد لا يملكون من أمرهم شيئا لدفع كابوس حدوثه لهم أو لأحبائهم. هو «ابتلاء» كما يروق للبعض القول، وهي كلمة قد تجانب أدب العزاء من الناحية النفسية البحتة لا «الشرعية» التي «يجتهد» فيها الفقهاء.

بفارق ثمان وأربعين ساعة وحّد الحزن والصدمة الأردنيين على امتداد ربوع الوطن والمهجر: فقد فارس من فرسان الحق الذين حموا أطفالنا وأحلامنا، الشهيد اللواء المتقاعد حابس حنايني برصاصات غدر وإرهاب وجهل. الشهيد فيما عرف عن سيرته الحافلة العطرة كان مديرا لدائرة مكافحة الإرهاب في دائرة المخابرات العامة. وغير بعيد عن الفيصلية محافظة مادبا كان فقد الوطن لكوكبة من عدته للمقبل من الأيام، ثلة من أطفالنا على متن حافلة مدرسية خاصة في رحلة خالفت وجهتها إذن الرعاية الحكومية التي انطلقت على هديه. وفقا لكتاب رسمي مرفق برسالة عزاء عبر منصات التواصل الاجتماعي، قدمها رئيس الوزراء – وزير التربية والتعليم السابق – الدكتور عمر الرزاز، فإن تصريح الرحلة كان للأزرق وليس البحر الميت، حيث شددت المديرة صاحبة الاختصاص في كتابها على ضرورة التقيد بالتعليمات ذات العلاقة وبخاصة السلامة العامة ومنع السباحة «منعا باتا».

ولأن المحب يخاف على حبيبه ويريد لو ملك أمره أن «يحوّط» من يحب بملائكة الرحمن، نسارع في كل كارثة كبيرة، إلى تنصيب أنفسنا قيمين على الأمور وكأننا خبراء. تارة نخوض في التحليلات الأمنية بالغة الاختصاص والتعقيد، فنفتي بلا علم وعن جهل يثير حفيظة ذوي الاختصاص. وتارة أخرى، ننصب من أنفسنا خبراء بأحوال الطقس والمناخ والبنى التحتية والهندسة الإنشائية والإدارة التعليمية والمدرسية والصفية هكذا في خلطة واحدة عنوانها «الفزعة».

ما من شك أن أجمل ما في خصالنا كأردنيين هي الفزعة، لكننا نريدها فزعة نخوة، تقترن فيها الدراية بالكياسة، والإدارة بالقيادة، والشهامة بالجسارة. إن الفزعة الناشئة من الفزع بمعنى الخوف الشديد غير المبرر في غالب الأحيان، هو فزع سلبي يعمل عمل السوس في نخر السنديان والبنيان. أما الفزعة النابعة من الغيرة للحق والغضبة للحق فتلك جذوة حق وخير فيها الخير كله.

تعلمنا الحياة بمآسيها أكثر من أفراحها، أن المحن تصنع الناس وتكشف عن خيرة ما فيهم من خصال. ومن «رحم الأحزان» تكون حياة وفرح ومجد وخلود. هذه «حدوتنا الأردنية» باختصار مذ كانت الكلمة صيحة فطلقة فثورة فإمارة فمملكة.

نحن – بإذن الله ورعايته – نحسن تعلم الدروس والنظر في العبر، شأننا – بفارق بسيط وأحيانا كبير هنا وهناك – شأن الدول الكبرى والمجتمعات الحية المتقدمة التي تلتزم الصمت أقله ثلاثة أيام احتراما لأحزان الناس الشخصية. فما من حزن - مهما بلغ التعاطف فيه - أكبر من حزن المبتلى بمصيبة الفقد بشكل مباشر. فلنحترم حزن الناس وغضب الناس ونصلي بصمت خلف أبواب غرفنا الداخلية في بيوتنا، ليمنحنا الله جميعا الصبر والعزاء والحكمة للاستفادة من الدرس. فإن كانت ثغرة سددناها وإن كانت عثرة أقلناها..

رحم الله فرسان الحق شهداء الوطن في كل ساحات الفداء والعطاء. ورحم الله أحلامنا الذين قضوا «عصافير في الجنة» جنة وسعها السماوات والأرض. وعظّم الله أجرك سيدنا، فالفقد فقدكم والعزاء بكم..

(الدستور الأردنية)