موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٣ يونيو / حزيران ٢٠١٨
المسيحية والصهيونية على طرفي نقيض

(بقلم الأب د. بيتر مدروس) :

نشرت مؤخّرًا صحيفة "القدس" الغرّاء نبأ عن إنشاء حزب جديد يهودي صهيونيّ "إنجيليّ"–في الأرض المحتلّة- مكوّن من يهود خصوصًا من روسيا ، ومن ملحدين ذوي أصل يهوديّ (فكيف يكون الحزب مسيحيًّا "وإنجيليًّا؟)، ومن عرب، نعم عرب! وسيكون فيه "رقم 2" رجُل "مسيحيّ" من عسفيا. وقبل الخوض في موضوع الصّهيونيّة والمسيحيّة، لنركّزنّ أوّلاً على العروبة. اليوم أرسل إلى الدّاعي كاهن مقدسيّ فرنسيسكانيّ فاضل هذه الكلمات من إسرائيليّ يهوديّ أذهله بل صدمه "التأييد المتزايد لدى عرب الداخل لإسرائيل" وإعلانه:" نحبّك أيها العربي المؤيّد لإسرائيل الخائن لشعبك، ولكن لا نحترمك. وللإنسان الشّريف، أفضل أن يكون نزيهًا ومخلصًا وأمينًا مكروهًا من أن يكون خائنًا (كتب الرجُل اليهودي كلمة أخرى) محبوبًا". وبصراحة، خفّفنا هنا عبارات الإسرائيليّ الصّريح الحكيم المشار إليه، بسبب حرمة هذا المنبر والإكبار للقرّاء الكرام.

حبّ من طرف واحد!

أعلنها نتانياهو وليبرمان وسواهما بجليّ العبارات وأوضح الصّيغ:"يا عرب، هذه دولة يهوديّة"، ويهوديّة تعني "يهوديّة" وليست دولة المتهوّدين ولا المتعبرنين. ولا يكفي أن تتقن العبريّة حتّى تحسب نفسك يهوديًّا، فاليهود هم أصحاب هذه الدّولة وأبوها وأمّها، وأنت درجة ثانية وثالثة ورابعة. ومع أنّ "أصدقاءنا" المشار إليهم من محبّي إسرائيل العرب يفهمون العبريّة، أكثر من العربيّة أحياناً، فلا يبدو أنّهم أدركوا قصد الزّعماء الإسرائيليّين. ومن الأمراض النّفسيّة، مع الاحترام للكلّ، الوقوع في حبّ الّذين يعذّبوننا والإعجاب بظالمينا، وكأنّنا بمعاناتنا نتلذّذ (وهذا مرض نفسي آخر). ولا يبرّر بأي شكل من الأشكال تذرّع بعضهم بمضايقات من مواطنين عرب آخرين لدخول الجيش، فالجيش لا يحمي أيّ مواطن من مواطن آخر، بل الشّرطة والقضاء.

لا شأن لنا مع اليهود ولا ملامة للغرباء الّذين "هم من الخارج"!

لا صلاحيّة لنا، كعرب وكرجال دين مسيحيّين، على اليهود، ولكن مسؤوليّتنا مع شعبنا وعليه، حتّى على الذّين هم فيه ضعفاء أو عملاء أو خونة. إنّهم من خرافنا الضّائعة التي يجب أن نعيدها إلى الحظيرة. ولكن لا يضرّ أن ندرك موقف"اليهود المسيحيّين "الإنجيليّين" الصّهاينة": يهود وصهاينة : فهمنا! مؤمنون بالمسيح وبالإنجيل؟ قطعًا، المسيح واحد وهو رافض للصّهيونيّة والعنصريّة والتوسعيّة، وكذلك الإنجيل الواحد بأحرفه الأربعة كما الهمها الله وأوحى بها إلى متّى ومرقس ولوقا ويوحنّا. ولدى "المسيحيّين الصّهاينة اليهود" فكر لا يختلف كثيرًا عن الفكر اليهودي الصهيوني غير المعترف بابن مريم مسيحًا إذ يتّفق مع اليهوديّة الربابينية التلمودية على مسيح (ليس مسيح الإنجيل) بل مسيح عسكري سياسي توسّعي عنصريّ فوقيّ النّظرة لا أثر له في العهد الجديد! ويتمّ عند "المسيحيّين الصّهاينة يهود الأصل" المثل العربيّ الشّعبيّ: "يموت اليهوديّ وخاطره في دينه"، حتّى لو اعتنق المسيحيّة. وهكذا يأتي اعتراف أولئك القوم بأنّ يسوع هو "المسيح" فقط كأداة لتجييره لصالح الصّهيونيّة، مع أنّ المسيح أعلن صراحة لليهود: "إنّ ملكوت الله يُنزع منكم" (متّى 21: 43). "كثيرون سيأتون من المشارق والمغارب... أمّا بنو الملكوت (أي اليهود سابقًا) فإنهم سوف يُلقَون في الظّلمة البرّانيّة" (متّى 8: 11- 12)."طوبى للودعاء فإنّهم يرثون الأرض" (متّى 5: 5)، لا المحتلّين (عن متّى 26: 52).

ورفض المسيح المشيحانيّة الثيوقراطيّة الدّنيويّة الإمبرياليّة الاستعماريّة الاستيطانيّة المبنيّة على القتل والسرقة والافتراء وقوّة القوّة والسّيطرة العسكريّة والسّياسيّة، مع ما يتبعها أو يسبقها من فساد ومكائد وأكاذيب واضاليل وخِدَع معلنا للوالي الروماني بونطيوس بيلاطوس:"ليست مملكتي من هذا العالم" (يوحنّا 18: 36). ونبذ يسوع "حبّ السّيطرة" متبنّيًا "سيطرة الحبّ" وأوصى بالسّلاح للدّفاع المشروع عن النّفس (عن لوقا 22: 36) وتبع المسيح رسله موجّهين المؤمنين إلى "سلاح الرّوح" لا إلى روح السّلاح، وأوصوا "بترس الإيمان وخوذة الخلاص وسيف الرّوح"(أفسس 6: 16- 17) ونقدر أن نزيد "ومجنّ الرّجاء والمحبّة" (عن 1 قور 13: 13). وتبرّأ المسيح من المال الذي حبّه "أصل كلّ الشرور" والذي هو – أي المال- "عصب الحروب" وطوّب المسيح الفقراء أي هنّأهم. لذا، في "ترجمة" يهوديّة أمريكيّة غير مسيحيّة للإنجيل المقدّس تسمّي نفسها "العالم الجديد" نرى تخفيفًا للآيات التي تشجب الطّمع والآيات التي تطعن باليهود المنكرين للمسيح.

مشكلتنا، كمسيحيّين وعرب، هي مع تلك الجماعات المنشقّة التي فُضحت صهيونيّتها فورًا بعد تمرّد مارتن لوثير على الكنيسة، وخصوصًا بعد احتجاجه بنحو عشر سنين وتألّقت تلك الصهيونيّة – والمكتوب يُقرأ من عنوانه- منذ سنة 1534 في مؤتمر مونستر "في سبيل تأسيس مملكة صهيون من جديد" بقيادة الهولندي يوهان من ليدن (هولندا)، استمراريّة ل"كنيس الشّيطان" الّذي ذكره سِفر الرّؤيا. وواكبت عداوة تلك الفئات للشعب الفلسطيني وسائر الشعوب العربيّة عداوة نحو السيّدة العذراء، وهي خصومة مصدرها الأفعى الجهنّميّة (تكوين 3: 15) وعداوة نحو الأوطان. وبالفعل، يردّد أتباع تلك الجماعات الصّهيونيّة، حتّى العرب منهم، أن "لا وطن لنا على الأرض" ولكن في نفس الوقت يؤكّدون أنّ "أرض الميعاد" هي وطن اليهود. وهكذا "يكسبها" اليهود "ويربحونها" في الدّنيا والآخرة!

مع "المسيحيّين الصّهاينة" حتّى العرب منهم، ما زلنا في سنة 1534!

يردّدون من غير فحص، شعارات الصّهيونيّة. وكما أسلفنا، هنالك فئات منهم غير مسيحيّة على الإطلاق ومنها التي يقول أتباعها أنهم شهود لله، تحرّف ترجمتهم اليهوديّة غير المسيحيّة الآيات التي تشجب الطّمع وتكتب سلبًا عن اليهود الأشرار. متّى 5: 3: بدل "طوبى للفقراء بالرّوح"، تنقل ترجمة بروكلين: "سعداء هم الّذين يدركون حاجتهم الروحيّة"، وهكذا أصبحت التّهنئة للمدركين لا للفقراء والمساكين، والسبب أنّ المؤسسة البروكلينية مبنيّة على المال وتوزيع الكتب والمجلات.

وبدل "حبّ المال أصل كلّ الشّرور" (في 1 تيموثاوس 6: 10) نقرأ في "العالم الجديد": "فمحبّة المال أصل لكلّ أنواع الأذيّة"، والفرق شاسع بين "كلّ الشّرور" وكل "أنواع" الشّرور، كما هو بين "كلّ الحلويات مؤذية" ، و"في هذا الحانوت تباع كلّ أنواع الحلويّات"، لا "كلّ الحلويات" بالمطلق. أمّا "الأذيّة" فهي كلمة مخفّفة، أقلّ وقعًا وأضعف معنى من "الشّرور"، فمن الشّرور ما لا يبدو أنه يؤذي أو يؤلم. وعلى كل حال، ما وردت قَطّ لفظة "أذيّة" في الأصل بل "شرور" (في اليونانيّة "كاكون"). كلّ هذه البهلوانيّات الأمريكيّة اليهوديّة غير المسيحيّة تهدف إلى تخفيف النصوص الكتابيّة المقدسة التي تدين حبّ المال والغنى.
تحريف يهوديّ أمريكيّ لنص يطعن باليهود المضطهِدين للمسيحيّين!

"لا يحنّ على العود إلاّ قشره". وها هم عبرانيّو "بروكلين" أصحاب "برج صهيون للمراقبة" وقوم "بيت إيل" الأمريكيّة يتلاعبون بيهوديّتهم بالنص التالي. ويكرر المرء أنّ الفئة المشار إليها غير مسيحيّة بحيث لا يجدر أن يحسب أحد تحريفاتهم على المسيحيّة. كتب مار بولس إلى التسالونقيين ( 1 تسال 2: 15-16 وتابع): "(اليهود) لا يرضون الله وهم ضدّ جميع الناس". تزيد بروكلين: "ضدّ مصالح جميع الناس"، مع أنّ "مصالح" لم ترد في الأصل، وهدف هذه الزيادة تخفيف العبارة القوية من رسالة القديس بولس. وفي الآية 16 بدل "يمنعوننا عن التكلّم مع الأمم" ، تنقلها بروكلين: "يحاولون أن يعوقونا عن التّكلّم مع الأمم". وبدل "سخط (الله) عليهم إلى النهاية" تنقل بروكلين تخفيفًا لصالح اليهود: "سخطه قد أتى عليهم أخيرًا".

خاتمة: ليس هؤلاء محسوبين على المسيحيّة!

لا نكتفي بهذا الإعلان على رؤوس الأشهاد بل "نحاجج ونوبّخ" "في وقته وفي غير وقته"، رضي من رضي وغضب من غضب، إذ من حقّنا الدّفاع عن ديننا ووطننا وكنيستنا، وهذا واجبنا! وإذ نطلب، من غير ادّعاء ولا دنيويّة، "ملكوت الله وبِرّه تعالى"، فنحن على يقين أنّ "كلّ النعم الباقية تُزاد علينا"، "نعمة وراء نعمة" وفرجًا بعد ضيق وكرامة بعد ذلّ وسيادة بعد استعباد وتحريرًا بعد استعمار!