موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٨ ابريل / نيسان ٢٠١٨
اللقاء في باري ومستقبل مسيحيي الشرق

بقلم: جياني فالينتي ، ترجمة: منير بيوك :

تم الإعلان بصورة متواضعة ومن دون ضجة عن "يوم للتأمل والصلاة" الذي سيجمع البابا فرنسيس مع رؤساء الكنائس والجماعات المسيحية المنتشرة في أنحاء مختلفة من الشرق الأوسط. إلا أن هذا هو الحدث "الأول" في تاريخ المسكونية. فللمرة الأولى يدعو أسقف روما، أو قديمًا "بطريرك الغرب" (وقد ألغى البابا بندكتس السادس عشر هذا اللقب عام 2006) إلى عقد اجتماع صلاة مع جميع بطاركة ورؤساء كنائس الشرق، الذين لم يكونوا في أوقات خلت على شركة كاملة مع كنيسة روما بدءًا من مجمع أفسس الذي عقد في العام 431 للميلاد.

في العقود الأخيرة (ابتدءًا من يوم الصلاة من أجل السلام الذي عقده فويتيلا في أسيزي في 27 تشرين الأول عام 1986)، كان هناك العديد من اللقاءات الدينية بناءً على طلب البابوات لابتهال نعمة السلام مع ممثلين مسيحيين وقادة مختلف الأديان. دعا يوحنا بولس الثاني إلى إقامة يوم صلاة من أجل السلام في 24 كانون الثاني عام 2002 في أسيزي بعد الهجوم على برجي نيويورك، بينما شارك البابا بندكتس السادس عشر على الدوام بيوم التأمل، والحوار، والصلاة من أجل السلام في أسيزي للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين "لإعلان" فويتيلا التاريخي لعام 1986. ومع كل الاحترام لكل هذه الأحداث، فإن اليوم الذي دعى إليه البابا فرنسيس في باري يدخل في إطار علم الفراسة الذي يخصه. فالدعوه تقتصر تحديدًا على رؤساء الكنائس والجماعات المسيحية في منطقة الشرق الأوسط.

كانت السابقة التي تبدو في معظمها تشبه الاجتماع المقبل في باري، هي الاجتماع الذي تم في آذار عام 1991، بعد أيام قليلة من نهاية حرب الخليج الأولى، والتي جمعت في روما حول يوحنا بولس الثاني ممثلي أسقفيات الدول الأكثر مشاركة في ذلك النزاع. لكن اقتصرت المشاركة في تلك المناسبة فقط على البطاركة والأساقفة الكاثوليك المتواجدين في الشرق للاجتماع إلى جانب أساقفة وكرادلة كاثوليك غربيين وكبار الأساقفة في الكوريا الرومانية.

اقتراح من البطريرك الآشوري مار كيوركيس

إن عدم التشديد على الإعلان الخاص باللقاء المقبل في باري المدينة التي تعرف بأنها "نافذة على الشرق"، في حديث مقتضب قدمه مدير مكتب الفاتيكان الصحفي جريج بيرك، يسمح بإدراك، خلاف ذلك، الطريق التي يتم اتباعها في سنوات بابوية فرنسيس الذي يصر على الإشارة إلى المسكونية على كونها مسيحيين "يسيرون معًا" عبر التاريخ نحو الشركة الكاملة.

في رغبته بإدراك الوحدة، القائمة بالفعل وتجري بين جميع المسيحيين بفضل المعمودية، أبقى خليفة بطرس الحالي على الدوام نوعًا من الطريق السريع مفتوحًا للبطاركة ورؤساء الكنائس الشرقية مما يبين بصورة خاصة قلقًا خاصًا على أولئك الذين يقيمون في دول شرق أوسطية بسبب وحشية الصراعات والنزاعات الطائفية التي ألمت بها. فمن البطريرك المسكوني برثلماوس إلى بطريرك السرياني الأرثوذكس إغناطيوس أفرام الثاني، من البابا القبطي تواضروس إلى الأرمنيين كاريكين وأرام. كما أتيح لكل رؤساء الكنائس الشرقية غير الكاثوليكية على الأغلب في أكثر من مناسبة بالمشاركة في لقاءات جامعة مع أسقف روما.

وخلال زيارته للفاتيكان في كانون الأول من العام 2016، اقترح البطريرك الآشوري مار كيوركيس الثالث بنفسه على البابا فرنسيس عقد اجتماع لبطاركة ورؤساء الكنائس الشرقية "لمناقشة الوضع بالشرق الأوسط، والصلاة سويًا، إضافة إلى البحث عن حلول للمشاكل". ووفقًا للبطريرك الأشوري، كما أسر مار كيوركيس الثالث بنفسه إلى موقع الفاتيكان إنسايدر الإلكتروني، فإن "الأوقات التي نعيشها تدعونا إلى إبراز علامة الوحده هذه".

الوحدة المسيحية ضمن أحداث التاريخ

فبين كنيسة روما وكنائس الشرق، يبقى الإقرار بالأخوة المتبادلة على الدوام، في إطار إمكانية استعادة الشركة المقدسة بصورة تامة. إنه الأمل الذي يؤدي لمواجهة المسافات اللاهوتية والعقائدية وتقصيرها، لكن يتم تعضيد هذا الاهتمام المشترك من خلال معاناة مسيحيي الشرق الأوسط، ومن المستقبل غير المضمون للمسيحية على وجه التحديد في الأراضي التي بشر بها الرسل.

ستعطي الصراعات الجارية حاليًا في الشرق الأوسط دون شك الاجتماع القادم في باري دلالات جيوسياسية ذات أهمية. ووسط هذا الإجتماع المتنوع مع رؤساء الكنائس الشرقية في الأوقات العصيبة التي تتسم بالتدخلات المتناقضة، عادت بعض الأصوات الناقدة مؤخرًا لتسود على سياسات القوى الغربية. في الرابع عشر من نيسان، وقع البطاركة الثلاثة المقيمون في دمشق، ويحملون لقب أنطاكية، وهم الأرثوذكسي يوحنا العاشر، والكاثوليكي الملكي جوزيف عبسي، والأرثوذكسي السرياني أغناطيوس أفرام الثاني، على وثيقة تدين "العدوان الوحشي" الذي نفذته الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة ضد سوريا "بتهمة استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيماوية".

وفي كانون الأول الماضي، أبدت الرغبة المعلنة من الإدارة الأمريكية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل إلى العديد من الآثار الجانبية بما في ذلك إعادة تشكيل مسكوني واسع النطاق لجميع الكنائس المسيحية في الشرق الأوسط، مع ممثلي جميع الكنائس المعبره علانية عن معارضة مجملة لقرار ترامب.

ليس من قبيل المصادفة أن فلاديمير بوتين قد استقبل في 4 كانون الأول الماضي العديد من ممثلي كنائس الشرق الأوسط بمن فيهم بطاركة الروم الأرثوذكس في القدس ثيوفيليوس الثالث وفي أنطاكية يوحنا العاشر مع جميع رؤساء وفود الكنائس الأرثوذكسية الذين وصلوا إلى موسكو للمشاركة في الاحتفالات بالذكرى المئوية لإعادة إنشاء البطريركية في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية. وفي تلك المناسبة، أشار بوتين في كلمته إلى مساهمة القوات الروسية في تمكين الجيش السوري "من حتى تحرير المناطق السورية الأكثر أهمية للمسيحيين من الإرهابيين". وأضاف أن التعاون بين بطريركية موسكو والكنيسة الكاثوليكية قد يكون له "دور حاسم" في تشجيع عودة اللاجئين المسيحيين إلى ديارهم في المناطق المحرره من سيطرة الجهاديين.

غير أن السياسة الجغرافية للصراعات في الشرق الأوسط ليست بالأمور الوحيدة التي يجب وضعها بعين الاعتبار في مواجهة المشاكل والصعوبات التي تصيب العديد من المجتمعات المسيحية في الشرق الأوسط. إنها بالواقع الصراعات والاضطرابات التاريخية في السنوات الأخيرة التي سلطت الضوء على كنوز الإيمان المتناثرة بين المسيحيين في الشرق، ولكن أيضًا على هشاشة الوضع الداخلي والضعف في العديد من الأجهزة الكنسية المتجذرة في تلك الأراضي. فقد يوفر الإجتماع القادم في باري أيضًا فرصة للتداول مع كل العوامل التي تضعف الوجود المسيحي في الشرق الأوسط "من الداخل"، مع اللجوء إلى الشجاعة الرسولية. وإذا تركنا جانبًا الوهم بالإبقاء على وجود مجتمعات تعود لألف سنة من التاريخ، سيكون كافيًا جمع الأموال في الغرب أو تقديم مساعدة خارجية من بعض "حماة المسيحيين" الأقوياء.

(نقله إلى العربية منير بيوك، المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام – الأردن)