موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٢ فبراير / شباط ٢٠٢٠
الكمال هو أن يُعطي الشخص ذاته من دون تفكير بالحصول على مقابل
عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا للأحد السابع من الزمن العادي، السنة أ
⤆ في نص إنجيل اليوم، يخبرنا يسوع كيف يعمل الله ويتصرف
المدبر الرسولي للبطريركية اللاتينية خلال مشاركته في لقاء باري حول "منطقة المتوسط.. حدود السلام"

المدبر الرسولي للبطريركية اللاتينية خلال مشاركته في لقاء باري حول "منطقة المتوسط.. حدود السلام"

المطران بييرباتيستا بيتسابالا :

 

يختتم النص الإنجيلي الذي نقرأه اليوم (متى ٥: ٣٨-٤٨) العظة على الجبل حيث استعمل يسوع أسلوب النقض: "سمعتم أنه قيل… أما أنا فأقول لكم". ولفهم ما قال يُقدّم لنا يسوع في هذا الجزء من النص مفتاحا كرّر استخدامه في العظة على الجبل: هو كلمة أب.

 

كان يسوع قد تكلّم سابقًا عن الآب في الآية ١٦ حينما وصف التلاميذ بـ"ملح الأرض" و"نور العالم" وأكّد أن كل مَن يرى أعمالهم سـوف "يمجّد أباكم الذي في السموات". كل مَن يرى سلوك تلاميذ يسوع، سيمجّد لا التلاميذ بل الآب وسيفهم أن قوة وجمال أعمالهم وكلماتهم لا تأتي منهم بقدر كونها من العلاقة التي تربطهم بالله الذي أحبهم أولًا، إذ يظهر ذلك جليًا فيهم.

 

في نص إنجيل اليوم، يخبرنا يسوع كيف يعمل الله ويتصرف.

 

في بداية حياة يسوع العلنية نرى أن صوت الآب كان قد سُمع عند نهر الأردن. عندما قدّم ابنه قال: "هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت" (متى ٣: ١٧)، وعليه فهمنا فورًا أن الآب يحب الابن.

 

نكتشف اليوم أن حب الآب ليس مُوجّهًا للابن فقط بل للجميع. لا يُحب الآب يسوع أو أهل العهد أو الصالح والبار فحسب، بل في الواقع "يُطلعُ شَمْسَه على الأشرار والأخيار، ويُنزِلُ المَطرَ على الأبرارِ والفُجّار" (متى ٥: ٤٤)، فهو يحب الجميع سواسية. وهو آب للجميع.

 

يُفيد الخبر السار في الإنجيل أن الآب يُحبّنا بهذه الطريقة وبأننا قادرون ومدعوون، بصفتنا أبناؤه، أن نحب بهذا الأسلوب أيضًا، ليس بسبب قوتنا بل لأن الروح القدس يعيش فينا، روح الآب الذي يجعلنا أبناء.

 

وعليه، لا يخضع حُبّنا لقانون أو واجب ما، بل لأننا أبناء هذا الآب.

 

يُنهي يسوع كلامه طالبًا من تلاميذه أن يكونوا "كاملين" (متى ٥: ٤٨).

 

كلمة "كاملين" غير مريحة ومزعجة بعض الشيء إذ تذكرنا بأشخاص لا يخطئون ويقومون بكل شيء في الوقت والطريقة المناسبتين.

 

إن الكمال بمفهوم يسوع هو أمر آخر. يطلب يسوع منا أن نكون نزيهين وليس كاملين. أي ألا نكون منحازين في علاقاتنا مع الآخرين وأن نسعى إلى الوحدة في حياتنا وأن نملك قلبًا خاليا من جميع أشكال التمّلك، قلبًا يضمّ ولا يستثني. لا نتكلم عن كمال شخص يقوم بواجبه على أكمل وجه، بل عن قلب يعرف كيف يحب بطريقة نزيهة وبلا شروط. يؤكد العهد الجديد على هذا الأمر.

 

في العهد القديم، "الكمال أو النزاهة" هو مفهوم طقسي يشير إلى الذبيحة الخالية من الشوائب. أما في العهد الجديد فلا تتعلق المسألة بتقدمة الذبائح بل بالمحبة.

 

والكمال هنا هو أن يُعطي الشخص ذاته من دون تفكير بالحصول على مقابل وبلا خوف من الخسارة.

 

يقول يسوع في خطاب الوداع: "أنا فيهم وأنت فيّ لِيَبلُغوا كَمالَ الوَحدَة ويَعرفَ العالَمُ أنّك أنتَ أرسَلتَني وأنّك أحبَبتهُم كما أحبَبتني" (يوحنا ١٧: ٢٣). هذا هو الكمال المسيحي.

 

لا تستطيع أية شريعة أن تطلب أو تفرض ذلك، بل هي حاجة في قلب مَن حصل على الحياة كهبة وتلقى روح البنوة.