موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
فقالت مريم:تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي,لأنه نظر إلي تواضع أمته…كشف عن شدة ساعده فشتت المتكبرين في قلوبهم.أنزل الأقوياء عن العروش ورفع المتواضعين…(لوقا1:46-52).الكبرياء رذيلة مدمرة لصاحبها!مما لاشك فيه أن كل شخص منا يحمل بذرة الكبرياء في قلبه منذ الطفولة,ولكن لماذا يتعالي الإنسان علي غريه ويحتقره؟ماذا يملك في هذه الدنيا الفانية يستطيع به أن يطأ الآخرين؟هل يقدر أن يتفاخر بعلمه وذكائه ودهائه وماله؟
من يستطيع أن يتباهي بقامته وجماله,أليس أدني أذي يشوه هذا الجمال ويفسده؟والذي يظن نفسه أفضل من الجميع ,فقد يكون أشر منهم في نظر الله فاحص القلوب والكلي يصف الكاتب الإيطاليLuigi Santucci في أحد أشعاره المتكبر هكذا:أنه مثل الدودة الحلزون(يطلقون عليها البصاقة) التي تتباهي بذاتها,عندما صعدت إحدي المسلات الفرعونية ونظرت إلي سيل لعابها قالت:بكل تأكيد سأترك بصمة في التاريخفالمتكبر هو شخص معجب بذاته سواء مدحه الناس أو لم يمدحوه لمواهب يمتلكها أو لخير قام به,فيحاول أن يعوض بنفسه عن تجاهل الناس له, فيسعي إلي الزهو والافتخار بشخصه أمام الجميع.يحكي أن رجلا وابنه كانا يسيران في الطريق,وعندما وصلا أحد الحقول قال الابن لأبيه:انظر يا أبي تلك السنابل الشامخة إلي العلاء التي تتهادي مع النسيم,مما لاشك فيه أنها تعتز بكثرة ثمارها وتفتخر بجمال سنابلها,ولكن تلك المنحنية التي تميل برأسها منكسة إياها نحو الأرض فهي في شدة الخجل من قلة ثمارها!فأجابه والده:إن الأمر عكس ماتعقد تماما لأن السنابل الشامخة لم ترتفع بسبب ماتحمل من ثمار,ولكن لأنها خفيفة فارغة جوفاء لاثمر فيها بخلاف تلك المنحنية نحو الأرض فهي مثقلة بالحنطة الكثيرة.
فقيمة الإنسان ليست في إعجابه بذاته أو مديح الناس له بالتملق بل فيما يأتيه من أعمال صالحة وفاضلة وخيرة.
من ينكر أن الكبرياء هو أصل كل بلاء وشقاء لأنه يدفع صاحبه إلي ارتكاب الشرور,وكل من يصاب بهذا الداء يتعامل مع الآخرين بالافتراء والطغيان حتي أنه يتباهي بفرض سلطانه وجبروته وقوته علي الآخرين والإنسان المتعالي فارغ يحدث ضجيجا كالإناء الخاوي من كل شئ,ويحيط نفسه بهالة كاذبة متخيلا ذاته الأمر والناهي متناسيا أن كل حياتنا بيد الله خالقها وواهبها وحاميها والمتكبر يتصور أنه مانح العطايا لمن يشاء ومانعها عن غيره حسبما يتراءي له,كما أنه يتلذذ باستعباد الناس وخضوعهم له.
والإنسان المتعالي يثير الضحك فينا لأنه يعتقد أن العالم كله سيخسر كثيرا أن لم يستمع لنظرياته وآرائه ويعمل بها,أو أن العالم لايقدر أعماله والويل لمن يعترضه أو لم يعجب بقدراته ذات يوم كان عازف البيانو والمؤلف الموسيقي الشهير Moritz Moszrowski يسير في شوارع فيينا مع صديقه الروسي الكسندر جلازنوف وعندما وصلا لمنزل الموسيقار النابغة فرانز شوبرت,شاهدا لوحة تذكارية باسمة لتخلد تاريخه,فقال جلازنوف لصديقه عازف البيانو:هل تعتقد أنهم بعد موتي سيضعون لوحة تذكارية مشابهة علي باب شقتي؟ أجابة الموسيقار:طبعا! فسأله:وماذا سيكتبون عليها؟ أجاب عازف البيانو:شقة للبيع إذا نتعلم من هذا الموقف معرفة قدر ذواتنا,وهذا يتطلب منا شجاعة أدبية,من منا لايشعر بالسعادة والرضا عندما يمدحه الناس؟! لكن الغالبية العظمي لاتهتم أن كان هذا المديح في مكانه أم لا,أو إذا كان صادقا يعبر عن واقع ملموس أو مجرد مجاملة ساخرة وتملق فاضح,كما أن البعض الآخر بالرغم علمهم الواضح بأنهم لايستحقون هذا المديح الذي يقال فيهم,إلا أنهم يقبلونه معتبرين إياه سلاحا وحجة لاخفاء عيوبهم والتغاضي عن نقائصهم ويرضوا عن ذواتهم ويصل بهم الحال إلي العمي الكامل عن أخطائهم.
بينما المتواضع يعلم جيدا ما بداخلخ خيرا كان أم شرا وفي هذا الصدد يقول أحد آباء الكنيسة:إن كنت مغروا فأنت شيطانوإن كنت حزينا فأنت ابنه,وإن كنت مهتما بأمور كثيرة فأنت خادمه فالإنسان يستطيع أن يرتفع بنفسه ويرفع رأسه إذا تحلي بالأخلاق,ولاتفقد وداعته ولايخسر روح تواضعه وينحني لله الذي وهبه كل ما يملك شاكرا له جزيل نعمة.
ونختم بقول الكاتب الإنجليزي جورج أليوت:لقد خيل له الغرور ماتخيله الديك حينما أشرقت الشمس,فظن أنها تشرق كل يوم لتطرب من صياحه.
(وطني)