موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٣٠ أغسطس / آب ٢٠١٨
القوة تصنع السلام

د. صلاح جرّار :

لا شيء كالقوة يصنع السلام على الأرض، كالجسم البشري تماما كلما ازدادت مناعته بقي في منأى عن الأمراض والآفات والأخطار، فعندما يكون الإنسان ضعيفا يطمع فيه من هو أقوى منه، وكلما ازداد ضعفه وعجزه وتردده في مواجهة عدوه، سواء أكان شخصا أم عارضا أم عائقا أم مرضا أم غيره، ازداد طمع عدوه فيه وقدرته وشراهته على البطش به، وفي المقابل إذا ازدادت قوة الشخص ازدادت خشية عدوه منه وتردده في الاعتداء عليه أو الطمع فيه وبالتالي تقل فرص اندلاع الحروب والفتن والنزاعات.

ولا يكفي أن تكون قويا جسديا أو تسليحا حتى تأمن عدم طمع أعدائك بك واعتدائهم عليك، لأن من أعدائك من هم في مثل قوتك فيبقى طمعهم في إضعاف قوتك قائما، ولذلك لا بد أن تعمل دائما على إدامة قوتك وزيادتها ومضاعفتها حتى تبلغ بها أقصى ما تستطيع كي يزداد امتناع عدوك عن معاداتك والتفكير بالمساس بك.

وكلما امتنع عدوك عن التفكير بالاعتداء عليك نعم العالم بمزيد من الأمن والسلام والاستقرار وانصرف الجميع إلى ما ينفع الناس من علم ومعرفة وعمران وعلاج للأمراض والآفات ومواجهة لكوارث الطبيعة وتقلبات المناخ وغير ذلك، فتصبح القوة في هذه الحالة مصدرا للأمن البشري وعاملامن عوامل تقدم المجتمعات وتطورها.

ولا تتحقق القوة بالانغلاق والانعزال عن العالم المحيط بك أو عن المجتمعات التي تجمع بينك وبينها روابط وهموم وأواصر مشتركة كالقرابة واللغة والدين والتاريخ والثقافة، لأن انعزالك مهما بلغت من القوة العسكرية والاقتصادية يبقيك عرضة لمن هم أقوى منك ممن يرغبون بالاستفراد بك والقضاء عليك، ولذلك فإن تحالفك مع من يشتركون معك في الثقافة والمصالح المشتركة هو مصدر قوة لك ولهم أيضا، فكلما ازداد عدد شركائك في الثقافة والدم واللغة والعقيدة وسواها ازدادت قوتك وتراجع الأعداء عن التفكير بالاعتداء عليك والطمع فيك والمساس بك وساد الأمن والسلم.

إن بناء القوة بالاستفادة من القدرات الذاتية والتحالف مع الشعوب التي تشترك معك في كثير من الأمور هي أهم ضمانة لمنع الحروب وإخماد الفتن، كما أن امتلاكك للقوة وتحالفك مع شركائك يحقق لك الأمن الداخلي إلى جانب السلام الخارجي لأن حلفاءك يقفون إلى جانبك في مواجهة المشكلات الاقتصادية والأمنية الطارئة التي يمكن أن تواجه بلدك.

وتزداد قوة أي تحالف كلما ازدادت الجوامع المشتركة بين أعضائه، لأن في ذلك ضمانة لاستمراره وتعمقه ورسوخه.

كما تزداد قوته كلما حقق تكاملا بين أعضائه، حين يمتلك بعضهم الموارد البشرية ويمتلك بعضهم الموارد المالية ويمتلك بعضهم الموارد المائية ويمتلك بعضهم الثروات المعدنية، ويمتلك بعضهم الأراضي الخصبة، ويمتلك بعضهم السواحل الممتدة، وهكذا.

كما أن التحالف يزداد قوة ورسوخا كلما شملت بنوده واتفاقياته مجالات أكثر.

إن مثل هذه التحالفات التي تنشأ على أساس من التعاون بين الشعوب هي أهم ضمانات السلام وأهم كابح لأطماع الأعداء، ولذلك لا بد من بناء القوة والتحالف مع شركائك في الثقافة والفكر والمصالح كي لا يطمع بك الطامعون ويبطش بك الأشرار.

(الرأي الأردنية)