موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٣ ابريل / نيسان ٢٠٢٠
القس فراس فرح يكتب: التاج الفاني والتاج الباقي
القس فراس فرح، راعي الكنيسة الإنجيلية الوطنية في القامشلي

القس فراس فرح، راعي الكنيسة الإنجيلية الوطنية في القامشلي

القس فراس فرح :

 

(النص الكتابي: يعقوب 1: 1-12)

 

هل تعلم ما معنى كلمة كورونا، التي سُمّي بها الفايروس القاتل للبشرية اليوم؟

 

إنّ كلمة كورونا لاتينية الأصل، تعني التاج أو الاكليل. وسميَّ الفايروس بهذا الاسم لأنه يظهر بالمجهر الالكتروني على شكل تاج …

 

نعم إنّ الانسان اليوم يُتوّج، وتاجه هو إكليل يُعلن أنه الكائن الهش البائس الضعيف السخيف والمثير للشفقة، تاج الضعف والعجز.

 

أين جبروتك أيها الإنسان بما وصلت إليه من تقدم وتطور في مجالات عدة في التكنولوجيا واكتشافات العلوم والهندسة؟ أين تهديدك بقوة جيوشك وأقوى الاسلحة المتطورة للدفاع عن نفسك ولا أحد يقف "حتى الله نفسه" في وجهك وأمام طموحك وطمعك واستغلالك؟ أين كبرياءك في أهم اكتشافات الطب لعلاج المرضى من خلال عمليات جراحية متطورة وأدوية لا تُحصى لأمراض كثيرة؟… تجبّرت حتى أنك نسيت الله ونسبت كلّ نعمة تعيش فيها إلى قوتك وعقلك ومجهودك. سلخت مشاعر العطف والمحبة والضمير من حياتك، ركنت الإيمان وخوف الله في قبر، وأصبحت آلة لا تشعر ولا تحس، لها رقم بدل الاسم، الشيء الوحيد الذي تعرفه ذاتها فقط ولا سواها، ومصلحتها فوق كل شيء وفوق أي احد مهما كان. جفّت الأرض من حب الله بسببك.

 

وفي آخر المطاف بعد كل هذا الذي تسمّيه مجدًا يوضع على جبينك؟ للأسف إكليل الفشل إكليل العجز، إكليل الضعف، إكليل أنّك لا شيء. فايروس صغير يموت بماء وصابون، بحرارة شمس هادئة، يجعل من حضارتك الممتدّة منذ آلاف السنين مهددة بالانقراض، وتفاخرك بألقاب زائفة أنك الأصلح والأذكى والأقوى من بين جميع الكائنات أصبحت أضحوكة.  كل ما تتكل عليه صار في مهبّ الفناء وعلى شفير الهاوية، فصرت كفقاعة وتوّجِت بإكليل الموت.

 

أمام إكليل ما حصل عليه الانسان اليوم من شرّه وكبريائه وأنانيته، لنلتفت في هذه الأيام القريبة إلى ما يذكرنا بخلاص حياتنا في الماضي والحاضر. بل نلتفت إلى عنوان خلاصنا وهو تتويج يسوع بإكليل الحب، إكليل الآلام. الآلام التي اجتاز بها مُخلّصنا يسوع المسيح، إنّه الدرب الذي خاضه يسوع متألّماً مِنْ أجلنا، بعد أن اُحتُقر وأُهين وضُرب وجُلد ووضُع على رأسه إكليلاً من الشوك: "وضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه" (مت 27: 29).

 

نعم إن اكليل يسوع ابن الانسان –إكليل الشوك– يُعبّر عن تاج مجد ملكيته، "هللويا ملك الرب الإله".

 

ملكوته الذي حقّقه بتجسده وحياته وصليبه وقيامته، مُعطيًا للإنسان كرامة بخلاص له. مُرجعًا هيبة صورة خليقة الله فيه، مُحققاً عودته من عبودية ابليس والذات والخطية الى بنوة جديدة في عهد المحبة الغافرة المضحية الباذلة.

 

وُضِع على رأسه التاج الذي يرمز للمجد، لِمَا عمله من أجلنا، إذ أحبنا إلى المنتهى. علّمنا أنّ الله موجود، ويحبنا دائمًا، ويريد لنا الخير. علّمنا أن نحب بعضنا ونبذل أنفسنا من أجل الأخر. كان هو المثل، كلاماً وعملاً، في الخضوع لله الآب ومحبّته من كل القلب… كان المثل في المغفرة لأجل الأخرين وعدم الاساءة لهم، ولو حتى بكلمة، وفي مساندة الضعفاء والمنبوذين ورد كرامتهم الانسانية أمام المجتمع، وفي استخدام كل قوته ليحصل الآخر مهما كان هذا الآخر على القوة والشفاء في الروح والنفس والجسد. علّمنا أن نغلب أنانيّتنا فينا ونصلبها معه ليحيا فينا،  بل وهب تاجه المُمجّد لنا لنكون شركاءه في المجد "… وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع" (أف 2:6).

 

 ليكن زمن تاج "الكورونا" اليوم، الذي أضحى زمن التجربة، زمن امتحان وجود الانسان. ليكن وقت تقييم لإيماننا ومبادئنا وأخلاقنا، زمن انتباه لأمانتنا تجاه محبة الرب وخدمته ومحبة القريب، ووكالتنا تجاه السعي لحفظ أجسادنا وحياتنا. لتكن فرصة جديدة جدية للحصول على تاج البركة، في امتثالنا لما يريده يسوع أن نكون عليه بما علمنا إياه، رغم الصعوبات التي نعيش فيها "طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة، لأنه إذا تزكى ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه" (يع 1: 12).

 

ولنعلم أنّ حب الله مازال باقيًا، ويعود يصرخ إلينا: "استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح" (أف 5: 14).

 

إنّها فرصة لتعلن الكنيسة شهادة إيمانها، للذين وصلوا إلى طريق مسدود في هذه الايام أمام الجائحة الفاتكة بالبشر. ولتعترف البشرية أنها فقدت حب الله في حياتها وحلت في قلبها البغضاء والكراهية والحسد والقتل… وتاهت في عتمة الضلال والخطية، التي شرّعتها لتكون نظامًا وقانونًا. وأضاعت إكليل القيامة، واستبدلته بإكليل يفنى، "وكل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء، أما أولئك فلكي يأخذوا إكليلاً يفنى، وأما نحن فإكليلاً لا يفنى" (1كو9 : 25). ولنعلم أنّ ليس لنا خلاص سواه.

 

ولنعش من جديد في زمن "الكورونا" حب الله المفقود.