موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٣ يوليو / تموز ٢٠١٨
القديس نيقولاوس: ’قديس الوحدة‘ في مدينة باري المسكونية

بقلم: ماركو رونكالي ، ترجمة: منير بيوك :

في عضون أيام قليلة، سيعود البابا فرنسيس إلى بوليا. وفي باري، سيرحب ببطاركة الكنائس المسيحية في الشرق الأوسط، وسيقدم بصحبتهم الوقار، في سرداب بازيليك القديس نيقولاوس، إلى الذخائر التي تنبع منها الروائح العطرة. وبعد الانتقال على الواجهة البحرية للمدينة لعقد اجتماع صلاة في "روتوندا"، سيعود أسقف روما والبطاركة إلى البازيليك للتأمل والحوار "خلف أبواب مغلقة".

إنه حدث هام، وخطوة كبيرة في المسيرة المسكونية، وإشارة هامة على المشاركة في المعاناة والحاجة لتحقيق السلام في مجتمعات الشرق الأوسط، وكل ذلك باسمه: نيقولاوس. إنه أسقف ميرا في القرن الرابع الذي كان يعرف أيضًا باسم المعالج. يترافق الرجاء، باسم القديس من عاصمة بوليا، مع مفترق طرق الشعوب وورشات عمل حوار (مركز سلفاتور منا المسكوني، والمعهد اللاهوتي والعديد من المبادرات الأخرى)، إضافة إلى نافذة على الشرق (باري هي في الحقيقة نقطة التقاء بين الكاثوليك والأرثوذكس، فهنا يأتي الحجاج من مختلف دول الشرق، وهنا في باري تمت الموافقة على وثائق مهمة تتعلق بوحدة الكنيسة، وهنا لدى بطريركية موسكو تمثيلها في إيطاليا) بالإمكان البدء بأمور ستؤدي إلى نتائج تؤثر على الوضع الجيوسياسي والدبلوماسي للمنطقة المعذبة في الشرق، حيث يلوح في الأفق مستقبل غير مؤكد للمسيحية.

يرتبط القديس نيقولاوس وباري بمصير لا ينفصل. لقد كان الأمر كذلك، وفقًا للتقاليد في العام 1087، منذ وصول ذخائر أسقف ميرا إلى ساحل بوليا، وأخذه مجموعة من سكان باري الأصليين لتثبيت هوية جديدة لمدينتهم، ثم ميناء نورمان ولومبارد. والحقيقة الأكثر إثارة؛ هي أنه منذ ذلك الحين يعيش القديس والمدينة في حالة من التكافل. فقد عمل المجتمع المحلي بجد لجعلها "عاصمة مدن بوليا"، باسم القديس الذي تتمسك به. ليس هذا فحسب، حتى أصبحت البازيليك المكرسة له في الآونة الأخيرة "موقعًا للتواصل".

وكان هذا أيضًا السبب وراء قرون من قيام الحجاج بالحج إلى قبره، وفي الآونة الأخيرة، تركزت على مدى عقود دراسات متعمقة عن الشخصية التاريخية ومعنى انتشار عبادة يتم الإحتفال بها خصوصًا في العالم الأرثوذكسي (حيث يقف نيقولاوس قليلاً تحت العذراء مريم، أم الله، مع عدم الخوف من منافسين، ولا حتى مع سيرجيو، تيودور، ديمتريوس، وغيرهم).

هذا أيضًا هو الغرض من "الذاكرة الإلزامية" للقديس نيقولاوس (رغم أنه فقط لمدة عام) في تقويمنا الليتورجي؛ في حين أن إعلانه كراعٍ للمسكونية الكاثوليكية الأرثوذكسية قيد الإنتظار. وساعدت العديد من الزيارات الشهيرة للمدينة على اكتساب طابعها المسكوني. بعد سنوات قليلة من اختتام المجلس، في العام 1969، للمطران نيكوديموس من لينينغراد -الذي عمل في حينه بطريرك موسكو الحالي وساشر روسيا كيريل نائبًا له- قد زار باري في عامي 2004 و2006 عندما كان رئيسًا لقسم العلاقات الخارجية للبطريرك الكسيس الثاني. تشمل القائمة عدة زيارات من طرف البطريرك المسكوني للقسطنطينية برثلماوس الأول، والمتروبوليت هيلاريون، الرئيس الحالي للعلاقات الخارجية لبطريركية موسكو؛ ومتروبوليت جوفيناليج من كروتيزك وكولومنسك، ومتروبوليت فيودوسيج من تامبوف وراسكازوفو، وشخصيات أرثوذكسية أخرى.

سمحت الزيارات المرتبطة بالصلوات والإشادات المشتركة بين قديس ميرا، والرغبة في إقامة علاقات ودية وتأملات بعيدة حتى من بوليا، لتسمية المدينة كموقع طبيعي للاجتماعات في إيطاليا بين البابوات وبطريرك موسكو -من أجل التبادل الثقافي، وإقامة معارض للأيقونات والعروض المسجلة في كتب، وتبادل الهدايا، التي نشملها أيضًا بما لا يمكن تخيله حتى قبل بضع سنوات من 21 أيار إلى 28 تموز 2017- بأول رحلة في أي وقت مضى للذخائر الصغيرة من جسد القديس نيقولاوس في موسكو وسان بطرسبرغ، حيث تم تقديم الوقار لها من طرف أكثر من مليوني مؤمن.
من الجدير أن نتذكر في هذه الرحلة الطويلة دورًا هامًا يجب أن يعزى إلى التزام رئيس أساقفة باري المونسنيور أنريكو نيقوديموس لمدة عشرين عامًا (1953-1973). لقد كان هو الذي قال في العام 1957 أثناء ترتيب عودة عظام القديس نيقولاوس في جرن له بعد أعمال الترميم: "القديس نيقولاوس ليس قديس ميرا أو باري للشرق والغرب، إنما هو قديس المسيحية بأجملها". وكان هو الذي حدد البازيليك على أنها "نقطة التقاء الشرق مع الغرب وقوة ثمينة للجذب المتبادل". ومن خلال تلبية رغبته ورغبة الآباء الدومينيكان، الذي كانوا قد استقروا هناك أثناء حبرية البابا بيوس الثاني عشر، أن سمح الكرسي الرسولي بذلك لأول مرة في العام 1966، وهو حدث غير مسبوق. إنه افتتاح الكنيسة اللاتينية بمذبح شرقي مع جدار للرسومات الأيقونية للاحتفال بالقداس الإلهي (تلى ذلك، بعد عامين، من خلال تأسيس معهد لاهوتي للمسكونية). إنه المكان الواقع في بازيليك القديس نيقولاوس في باري، الذي تم الحصول عليه من بناء ذي أقواس في سرداب، بحيث صار الآن وجهة الكثير من المؤمنين الأرثوذكس الذين يفدون ليس فقط لتقديم مظاهر التقوى مثل تقبيل قبر القديس، إنما من أجل الصلوات التي صارت عديده بحيث يتم الاحتفال الآن على مذبح الكنيسة العالي.

على أية حال، فلدى المؤمنين بالكنائس الأرثوذكسية "الشقيقة" المختلفة -الروسية، والرومانية، والجورجية، والإثيوبية، والإريترية، واليونانية- مساحات خاصة بهم في المدينة بحسب وضعهم وتاريخهم. ويكفي تذكر مثالين هنا. تقع الكنيسة الروسية المخصصة للقديس نيقولاوس في منطقة كاراسي وهو مبنى جميل موجود منذ عشرينيات القرن الماضي، تم التنازل عنه للسلطات المحلية في العام 1937، ثم تمت إعادته إلى روسيا في العام 2009 (مع احتفال رمزي أظهر الرئيس نابوليتانو يعيد مفتاح الكنيسة إلى الرئيس دميتري ميدفيديف). ثم هناك كنيسة الجالية اليونانية الأرثوذكسية التي تم تقديمها منذ الخامس من كانون الأول 2016 بحضور البطريرك برثلماوس الأول إضافة إلى رئيس أساقفة باري فرانشيسكو كاكوشي والمتروبول غيناديوس. وهذه الكنيسة المخصصة للقديس نيقولاوس كانت تعود للكنيسة الكاثوليكية باسم "القلب الأقدس".

باختصار، إذا كانت مدينة باري هي مدينة القديس -التي تدل عليها التراتيل الشرقية القديمة بأنها "قانون الإخلاص"، "وصورة الوداعة"، "وسيدة الفضيلة"، ومدينة "أسقف الثقة والصلاح"، والتي تم تصويرها في الملحمة السلافية القديمة كرجل مسن إلى جانب المنبوذين في المدن والريف - فإنها اليوم وبفضل البازيليك البابوية (التي رفعها بولس السادس لهذه المرتبة) تعد "عاصمة المسكونية" التي يتم تعزيزها باستمرار.

إنه دور معترف به أيضًا من طرف البابا، القديس يوحنا بولس الثاني، الذي جاء من الشرق حاجًا إلى باري في 26 شباط 1984، مثل خلفه بندكتوس السادس عشر الذي ذهب إلى ختام المؤتمر الوطني الإفخارستي في 29 أيار 2005. أما البابا فويتيلا، فقد أصدر، على وجه الخصوص، خلال تسعمئة سنة من نقل ذخائر القديس من ميرا إلى باري في العام 1989، دستورًا رسوليًا مكررًا "دعوة محددة" لكنيسة باري وبوليا "للترويج للأنشطة المسكونية".

في هذه المرة، تشكل هذه الأنشطة جزءًا من شراكة لا يخلو من شجب الكارثة الإنسانية التي تدور منذ فترة طويلة في الشرق الأوسط. وبالتالي، فإن على المسكونية مسؤولية تبني قيم جديدة. إنها لم تعد مسكونية التاريخ والأحداث الحالية فقط، واللاهوتيين والشهداء، والسلام والاعتراف بالمسيح، والناس، والذخائر، والوفاء، إنما هي مسكونية 360 درجة. اختارت هذه المسكونية هذه المرة أن تثبت نظرتها على الأرض التي عرفت التبشير الأول والاضطهاد الحديث وسط اللامبالاة الدولية.