موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٨ مايو / أيار ٢٠١٧
العيش المشترك في الأردن.. تطبيقه عالميًا ينهي كابوس ’إرهاب الخوارج‘

نيفين عبد الهادي - الدستور الأردنية :

أن تتحوّل صورة بهيّة مشرقة تزدان بألوان ربيعية تفوح منها رائحة الياسمين، إلى صورة باللون الأحمر لون الدم، لتغيب معه كافة التفاصيل الجميلة النابضة بالحياة والسلام، فيعلو صوت الرصاص منتزعًا أبسط حقوق البشرية في أن تعيش بأمن وسلام، بلغة تختفي أي أبجديات بين أحرفها وتبقى لغة الإرهاب هي أبجديتها ونهج حياتها.

واقع بات العالم يعاني منه، بل ويقلقه من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه، إذ أصبح الإرهاب والتطرف يحتلان السطر الأول في اهتمام العالم بكافة تفاصيله الجغرافية، وكثيرة هي الصور التي تمكّن الإرهاب الدنيء من تحويلها لصور بؤس وحزن مقترنة بدموع قد لا تجد في كثير من الأحيان طريقة ان تذرف بها لحجم الوجع الذي بات يخلفه الأرهابيون من حوادث لا تعرف من الإنسانية شيئًا.

كثيرة هي حوادث الإرهاب التي بتنا نراها وفترات الزمن بينها متقاربة لدرجة حتمًا أصبحت تستدعي وصفة آمنة تخرج العالم من هذا النفق المظلم، وتضع وصفًا حقيقيًا للإسلام الصحيح وفق ما يؤكد جلالة الملك عبد الله الثاني في كافة المناسبات، لتبتعد عنه صفة الإرهاب والتطرف التي ألصقت به من «خوارج» العصر وفق وصف جلالته لهم.

ويأتي العمل الإرهابي الدنيء الذي استهدف حافلة أقباط بمحافظة المنيا بمصر، ليضيف مزيدًا من بشاعة هذه الفئة التي مهما كثر عدد أفرادها فلن يصلوا لنقطة ببحر أعداد المسلمين الذين يعون ويدركون المعنى الصحيح للدين الإسلامي، عمل يقزّم لغة البشرية لبشاعته وبعده كل البعد عن دين السلام والأمن والحرية والعدل الدين الإسلامي، ليقدموا على قتل أبرياء توجهوا لأداء صلاتهم وبينهم عشرات الأطفال، أي لغة يمكن أن تحكي بشاعة ما حدث، وأي وصف يمكن أن ينقل واقعا لطخته يد الغدر الارهابية بأبشع الجرائم.

والسؤال الذي يطرحه كثيرون عن أي عدل يتحدث هؤلاء الإرهابيون، وعن أي دين وعن أي بشرية، فمجرد التفكير بما يحدث يوقع الإنسانية جمعاء في مأزق اللابشرية واللانسانية، فكيف لشخص يحكم على آخر بالموت بذريعة الدين، الدين الذي حرّم الانتحار وحرّم قطع الشجرة وعدم ايذاء البشر والمساس بحريتهم وكرامتهم، أي واقع خطير نراه أصبح يفرض ألما بقلوب الأمة يجب بناء سد منيع لمنع امتداده ولاجتثاثه.

في الأردن، واقع نموذجي في التعايش الديني ايمانًا من مبدأين أسس لهما جلالة الملك عبد الله الثاني بهذا السياق، أولهما ضرورة توضيح صورة الإسلام الحقيقية والصحيحة بأنه دين سلام وأمن ومن يدعون بأنهم اسلاميون ممن يقومون بالعمليات الإرهابية ما هم إلا وفق جلالته خوارج، وثانيهما أهمية التنوّع الديني في الأردن والشرق الأوسط وضرورة الحفاظ على هذا الأمر بل وصونه والدفاع عنه.

وفي ردة فعل أردنية لحادث الأقباط، أعلن الديوان الملكي الهاشمي، أمس السبت، عن تنكيس علم السارية على المدخل الرئيس للديوان الملكي حتى الساعة السادسة مساء، حدادا على الضحايا الأبرياء الذين سقطوا في حادث الهجوم الإرهابي الذي استهدف حافلة المصريين الأقباط بمحافظة المنيا، جنوب القاهرة، أمس الجمعة.

هو الأردن الذي يقف مواقف واضحة مع أشقائه، وضد الإرهاب، بجرأة ردة الفعل وعمليتها، وبحسم يضع النقاط على الحروف بعيدا عن رومانسية التعبير وهشاشة المواقف، فطالما حارب الأردن الإرهاب بمباردات متعددة، من أبرزها رسالة عمان، وطالما نبه وحذّر من سلبيات للأسف أصبحت اليوم واقعا على الجميع التعامل معه والتغلّب عليه، وطالما أشّر الأردن بكلمات واضحة من جلالة الملك بأن محاربة الإرهاب يجب أن تكون بجوانب متعددة من أبرزها الجانب الفكري.

ووفق قراءة خاصة لـ«الدستور» حول الخطاب المطلوب لمواجهة الإرهاب ورصد لردود فعل حول الحادث الإرهابي الذي تعرض له الأقباط في مصر، بدا واضحا أن لغة الاستنكار المتعارف عليها لم تعد تفي بالغرض، فما حدث للأقباط عمل تجاوز الإجرام بمراحل، ويجب مواجهته بالتأكيد أن هؤلاء خوارج وتثبيت الإسلام الحقيقي على أرض الواقع بتحد وجرأة.

متحدثو «الدستور» أكدوا أن نهج جلالة الملك في التعامل مع هذا الجانب يجب أن يكون منهج عمل لكافة دول العالم، كونه جعل من الأردن نموذجا مميّزا في التعايش الديني والتنوّع، فلم يتم يوما معاملة أي مواطن على أساس ديانته أو أي أمور أخرى، فالمواطن الأردني مقدّر ومصانة كافة حقوقه كونه أردنيا فقط.

وبلغة استنكار ورفض شدد متحدثو «الدستور» على أن الدين الإسلامي دين سلام وأمن، ولا يجب محاسبة أكثر من مليار شخص مسلم بالعالم بأعمال ارهابية يقوم بها ارهابيون لا يتجاوز عددهم بحده الأعلى الآلاف، فالإسلام يقدّم للعالم كل الايجابيات والتسامح والعفو واحترام الذات قبل احترام الغير، وبذلك مسؤولية على الجميع ادراكها من مسلمين وغير مسلمين بأن ما يلصق بالإسلام ليس صحيحا وهو افتراء.

وطالبوا بعدم الخوف والجري وراء سياسات تهجير المسيحيين من الشرق الأوسط، والعودة لمنهجية جلالة الملك بهذا الشأن بضرورة الحفاظ على تنوّع الأديان في هذه المنطقة، وهو ما يميزها عالميا، فلا بد من التنبه لما يسعى له هؤلاء الخوارج بالجرأة وعدم الخوف، بل التشبث بالدين وبالمبادئ والتركيز على أنه لا اكراه في الدين، ولكم دينكم ولي دين!.

رئيس الديوان الملكي الهاشمي الدكتور فايز الطراونة أكد أن الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني لا يدخر جهدا في سبيل التصدي للإرهاب والارهابيين، مبينا أن الدين الإسلامي الوسطي والمعتدل بريء من أعمال أي إرهاب ينسب للبعض من المسلمين، «وما حدث في مصر مدان وهو يسيء للإسلام والمسلمين والإسلام منه براء وهؤلاء خوارج ومجموعات ارهابية مجرمة».

وأشار في تصريحات تلفزيوينة إلى عدم وجود حاضنة للإرهاب والارهابيين في الأردن نتيجة لوعي وادراك الشعب الأردني والتفافه حول وطنه وقيادته الهاشمية، إلى جانب الجهود الكبيرة التي تبذلها الأجهزة المعنية في سبيل المحافظة على أمن الوطن، لافتا إلى أن الأردن يحظى باحترام العالم، الذي ينظر بكل تقدير لجلالة الملك عبدالله الثاني، الذي يرأس القمة العربية لمدة عام، ويعمل دائما لكل ما فيه مصلحة الوطن والمواطن والامة وقضاياها.

ورفض وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأسبق عبد الفتاح صلاح من جانبه أن نحكم على قلة لا يساوي عددها شيئا مع الأمة الإسلامية التي يتجاوز عددها مليار مسلم، فواقع الحال يفرض أن نحكم على أشخاص بعينهم ونحاسبهم، فما نواجهه اليوم أشخاص، وليس الدين الذي لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بما يحدث، سيما وأن الدين الإسلامي حرّم أن يؤذي الشخص نفسه بتحريم الانتحار فكيف يبيج قتل الأبرياء والأطفال، فهذا حرام شرعا.

ولفت صلاح إلى أن من يقومون بمثل هذه الأعمال الإرهابية لا أهل لهم ولا من يخافون منه أو حتى يخاف عليهم، فهم جماعات تتربى بعيدا عن أي عالم حقيقي وسط جماعات ارهابية يعتبرون ما يقال لهم بأنه الصح، بالتالي هي حالة واضحة بأن ما نتعامل معهم أشخاص يجب مواجهتهم.

ورأى صلاح أن هناك ضرورة للعمل على ابعاد الظلم عن الجميع، كونه من أهم الأسباب التي تؤدي إلى المشاكل، فلا بد أن تتحق العدالة في المجتمعات وأن لا نحكم على جماعات ونعمم ارهابهم على المسلمين والدين الإسلامي، حتى لو وصل عددهم مليون شخص، هم خوارج لا يمثلون الإسلام بشيء.

ونبه صلاح لوجوج جهات معينة تستفيد من هذه الأحداث وتشعل الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في المنطقة، وعلينا هنا أيضا ان ندرك ونعي هذه المسألة جيدا، لا نريد التأشير صراحة على جهات معينة، لكن هناك من يستفيد من هذه العمليات الإرهابية ويجب أخذهم بأدوات علاج الحالة وعدم التغاضي عنهم لأنها جهات قد تكون وراء تغذية هذه الجماعات الإرهابية.

وعن الأردن قال صلاح لم ننظر يوما لديانة أي مواطن أو ضيف، فالجميع بقيادة جلالة الملك ينعم بكافة الحقوق والواجبات، وهناك حسن معاملة للجميع، ولا تفرقة بالمطلق حتى في الحياة الاجتماعية العادية بين المواطنين، كون القيادة الهاشمية أسست لحالة من التعايش نموذجية ونادرة.

واتفق مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام الأب رفعت بدر مع الآراء التي استنكرت العمل الإرهابي للأقباط في مصر، والتي رأت أن التعايش في الأردن حالة نموذجية يجب تعميمها بل وتدريسها في مدارس العالم كونها مثالية ونادرة.

وقال الأب بدر الوضع مأساوي عالميا وعلى ما يبدو أن الإرهاب الذي يؤدي إلى ترهيب المواطنين في جميع أرجاء الارض بات يتسع بطريقة جنونية، لكن هذا لا يمنع أن يبقى الأمل موجودا، فلا بد من وجود نهاية حتمية لمثل هذه الانتهاكات لكرامة الانسان الحقيقية واحترام حياته التي جاءت نصوصا منصوص عليه بكل الكتب الدينية.

وشدد الأب بدر على أن ما حدث في مصر بلا شك عمل قبيح ودني ومدان من أي جهة كانت. واستطرد بقوله، رغم كل ما يمر في العالم من أحداث ارهابية، لا يجب أن يستملكنا الخوف، وألا نستسلم، فكلما استسلمنا للخوف حقق الإرهاب انتصاراته على البشرية، رغم مآسينا وأوجاعنا التي توجه لنا يوميا مع الأسف وبمختلف انحاء العالم، لكن يجب أن تتضامن الأسرة البشرية بقوة وجرأة لمحاربته دون خوف أو يأس.

وعن حادث الأقباط، أكد الأب بدر أنه حدث ارهابي مأساوي، مدان بكل معنى الكلمة يعبّر عن جبن من سمّاهم جلالة الملك بالخوارج، ولا علاقة له بأي دين من الأديان، سيما وأن أحاديث نقلت عن الضحايا من شهود عيان بأنه طلب منهم تغيير دينهم لكنهم رفضوا، فكان الحادث الإجرامي الذي حدث، لكن كل هذا لن يجعلنا نيأس والأهم لن يشجع على تهجير المسيحيين.

وفي الأردن، بين الأب بدر أن لجلالة الملك في هذا الشأن هدفين أو مبدأين نبيلين يسعى لهما جلالة الملك أولا تبرئة الإسلام من كل ما يحدث باسمه، وأنه براء من هذا الإرهاب، وأن هؤلاء القتلة والمجرمين ليسوا منتمين لدين وهم خوارج العصر كما يقول جلالته، فلا بد من اقناع الجميع بفكر جلالته هذا، والذي عززه جلالة الملك بعدد من المبادرات التي كان من أهمها «رسالة عمان».

والهدف الثاني وفق بدر الحافظ على الحضور العربي المسيحي في هذه المنطقة، كونه يعطي الشرق الأوسط رونقه وتميزه في التعدية الدينية، والانسجام التام، وممواجهة من يريد إفراغ الشرق الأوسط من تعدديته الدينية، مبينا أنه بهذين المبدأين والهدف عاش الأردن نمودجا مثاليا من التعايش والحفاظ على الهوية المسيحية واعتبار أنهم جزء من النسيج الاجتماعي والإسهام الحضاري الذي يقوم به المسيحيون دون تميز أو توقف عند فروقات.

واعتبر الأب بدر أن هناك ضرورة لتطبيق رؤية جلالة الملك بكافة دول العالم، بتبرئة الدين والحفاظ على التعددية الراقية في الشرق الأوسط، منعا لمزيد من الإرهاب وحماية العالم من هذه العصابات التي للأسف لا تعرف لغة للحوار وللناقش، فالوضع الحالي مؤلم ولا لغة بشرية نتكلم بها مع القتلة لأن لغتهم الأسياسية هي القتل، بالتالي يجب مواجهتهم دون خوف.