موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر السبت، ٥ يناير / كانون الثاني ٢٠١٩
العنف يسيطر على أطفال بعمر الورد

ديمة محبوبة - الغد :

“صراخ، بكاء، ضرب، غضب، تخريب وسطوة على ألعاب الآخرين، وعناد مستمر”.. هكذا تصف مي حسن تصرفات ابنها الصغير ذي الأعوام الثلاثة.

مي تقول إنها لم تعد تدرك الطريقة المثلى للتعامل مع تلك التصرفات التي لا تجد لها حلا، وازدادت كثيرا بالأشهر الأخيرة بشكل مبالغ به، كما تقول، على عكس إخوته الذين لا يشبهونه حينما كانوا بعمره.

وتستغرب مي من الطريقة التي يتبعها طفلها حينما يريد الحصول على أي شيء، لافتة إلى أنها حاولت معه بكل الطرق، لكن عدوانيته مع غيره من الأطفال أصبحت لافتة ومزعجة، إضافة إلى تكسيره لكل الألعاب الجديدة، وصراخه المستمر؛ إذ بات هذا الأمر يقلقها.

دراسة كندية أخيرة، أجراها باحثون مختصون في علم الطفولة، كشفت أن حدة العنف تأخذ في الازدياد لدى الأطفال إلى أن يصلوا الثالثة والنصف من أعمارهم، قبل أن يلينوا بعدها.

مي شعرت بالتفاؤل حينما قرأت هذه الدراسة التي أجريت في جامعة مونتريال بكندا، مؤكدة أن الأطفال الصغار يظهرون عدوانا جسديا يتراجع قبل التحاقهم بمرحلة الدراسة الابتدائية ومع تقدمهم في السن.

اختصاصية علم النفس والمختصة في شؤون الأطفال د. أسماء طوقان، تبين أنه عند ولادة الطفل يهتم الأهل بمراحل نموه الجسدي، مثل وزنه، وظهور أسنانه، مهملين في الوقت ذاته نموه النفسي.

ومن عمر (2-3 أعوام) يبدأ الطفل في التعبير عن انفعالاته مع اكتسابه كلمات تعبيرية بسيطة، ويستطيع أن يُكون جملا وعبارات أكثر فيصبح بهذا العمر واعيا ومدركا لما يحصل حوله وتعد هذه المرحلة من أهم مراحل حياته لأنها تشكل شخصيته وطريقة تعامله مع أفراد المجتمع.

وتؤكد أن الطفل في هذه المرحلة يقلد كل ما يراه، لذا على الأهالي مراعاة هذا الأمر، وأن يكونوا قدوة حقيقية لهذا الطفل، ويزرعوا ما يريدون حصاده منه، مما يتطلب تعبا حقيقيا في إعطاء الأطفال الاهتمام والعناية والحقيقة والصدق.

وتبين طوقان “ما يغرسه الوالدان في طفلهما بهذه المرحلة ينمو في المستقبل، ويكون ملحوظا في سلوكه فعليهما استغلال هذه المرحلة بإعداده بالشكل الصحيح لأنها تمتاز بسرعة التطور الفكري، وإن لم يتم استغلالها بشكل سليم، يصبح من الصعب فيما بعد السيطرة على طفلهما”.

وتشير إلى أن ما ورد سابقا، يؤكد أن الطفل يمر بفترة عداء حقيقية في هذه الفترة ويمكن أن تهدأ ويكون الطفل سليما نفسيا في حال تم التعامل معه عن طريق الأهل بشكل واع وأكثر سلاسة وتفهما.

وتأكيدا لكلام طوقان، تقول فرح جابر، إن طفلتها كانت هادئة لغاية عمر السنة ونصف، ثم بدأت بالانفعال على أبسط الأمور، ثم تطورت الحالة لتضرب كل من حولها من دون أسباب واضحة.

وتضيف أنها بعد فترة لاحظت عدائية ابنتها، وأن كل الأطفال حولها يبتعدون عنها؛ إذ كانت تضرب نفسها والآخرين، وتأخذ الألعاب، وتقلب الطعام، ولم تعرف ماذا تتصرف في الشأن، ثم قرأت عن التعامل مع الأطفال في هذا العمر وبدأت التعامل معها برقة وحزم في الوقت ذاته، حتى عمر الرابعة إلى أن استقرت وهدأت وعادت إلى هدوئها ثانية.

ويبين اختصاصي علم الاجتماع د. محمد جريبيع، أن السلوك العدواني يرافق الطفل بالمستقبل إن لم يتم التعامل مع الموضوع مبكرا، لأنه سيصبح شخصا مراهقا عنيفا جسديا ولغويا.

ويوضح جريبيع أن العدوانية عند الطفل لها الكثير من الأسباب ويمكن أن تستمر معه حتى يصل لعمر المراهقة وأكثر، وخصوصا إن شعر بأنه شخص غير مرغوب فيه من قبل محيط، كوالدته أو والده أو حتى أخويه، فبعض الأهالي لا يدركون أن حديثهم القاسي والخالي من المشاعر مع طفلهم يزيد من عدوانيته تجاه الآخرين من باب الدفاع عن ذاته وإظهار نفسه.

إلى ذلك، الكثير من الأهالي لا يعرفون أن تشجيع الطفل على العدائية والسلوك العنيف مع الأصدقاء باعتبار أنه يدافع عن ذاته من غير رادع أو نصيحة مثالية يعني أن تشجيعه على العدائية الآن ومستقبلا، وهنا يحصد الأهالي ما زرعوه في الطفولة.

ويرى جريبيع أن الطفل الذي لديه إعاقة من أي نوع يمكن أن يكون عنيفا أكثر، لأنه لا يستطيع أن يعبر عن ذاته بالشكل الصحيح ويشعر أنه ليس كالباقي. وكذلك التنمر في المدارس أو حتى في أي من مراحل العمر يجعل الطفل أكثر عدوانية.

ويضيف جريبيع أن الطفل يقلد من يراه مثله الأعلى وقد يكون من الأسرة أو صديقا له أو من الشخصيات الكرتونية التي يشاهدها ويتعلق بها، لافتا إلى أن عدم مقدرة الطفل عن التعبير عما بداخله من أحاسيس وعجزه عن التواصل، كلها أسباب قد تكون نفسية وتؤدي إلى تصرفات قد يراها الأهل سلبية.

ويؤكد جريبيع أهمية التوقف عن التعامل مع الأطفال بأسلوب صارم وقاس كالضرب أو التوبيخ الدائم، أو مشاهدة النزاعات الأسرية، وضرورة إبعادهم عن القدوة السيئة من الأصدقاء وحتى بعض البرامج التلفزيونية، مع توضيح ذلك لهم.