موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ١٨ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٩
العلاقة الكاثوليكية الإسلامية في تحسّن ملحوظ

داود كتّاب :

يبدو أنّ العلاقة الكاثوليكيّة-الإسلاميّة تشهد تحسّناً إيجابيّاً ملحوظاً، كما ظهر أخيراً من زيارة وفد عالي المستوى من الفاتيكان إلى المسجد الأقصى في القدس.

بعد مرور 800 سنة على زيارة القدّيس فرنسيس الأسيزي، زار رئيس مجمع الكنائس الشرقيّة في الفاتيكان الكاردينال ليوناردو ساندري يرافقه حارس الأراضي المقدّسة الأب فرانشيسكو باتون المسجد الأقصى في 3 تشرين الأوّل، والتقى مجلس الأوقاف الإسلاميّة.

أصدر الطرفان بياناً مكوّناً من 7 نقاط يؤكّد الوصاية الهاشميّة على الأماكن المقدّسة في القدس وأهمّيّة احترام الوضع القائم ودعم حلّ الدولتين.

قال رئيس المركز الكاثوليكيّ للدراسات والإعلام في عمّان الأب رفعت بدر لـ"المونيتور" إنّ العلاقة بين الكنيسة الكاثوليكيّة والمسلمين تحسّنت كثيرًا منذ نعقاد مجمع الفاتيكان الثاني (1962-1965)، وخصوصاً مع القرارات المهمّة المتعلّقة بعلاقة الكنيسة الكاثوليكيّة بالديانات الأخرى، وخصوصًا الإسلام واليهوديّة.

ويقول الأب بدر: "في الماضي، لم تكن هناك لقاءات ومتابعات، ولكن منذ انعقاد ذلك المجمع، دعم البابوات كافّة الحوار الدينيّ بين الفاتيكان والإسلام". ويعتبر الأب بدر، وهو راعي في الكنيسة اللاتينيّة الأردنيّة، أنّ الأردن لعب دوراً رياديّاً في استضافة حوارات في الثمانينات من القرن الماضي، والأمير الحسن بن طلال لعب دوراً قياديّاً من الجانب الأردنيّ وكانت اللقاءات تتبادل بين الأردن والفاتيكان.

يدير الأب بدر موقع أبونا الإلكترونيّ، وقد خصّص أطروحة الدكتوراه في الجامعة اللبنانيّة حول العلاقة الكاثوليكيّة-الإسلاميّة، ويقول إنّ العلاقة كانت متأزّمة في بعض الأحيان، ويضيف: "كان التحدّي الأوّل (حديث) في عام 1993 عند إقامة علاقات دبلوماسيّة رسميّة بين الفاتيكان وإسرائيل. ولكنّ الفاتيكان تابع ذلك بعلاقة دبلوماسيّة مع الأردن في عام 1994 ووقّع اتّفاق مبادئ مع الفلسطينيّين، وبعد ذلك اتّفاقاً مع منظّمة التحرير الفلسطينيّة في عام 2000، وتمّ الاعتراف بدولة فلسطين في عام 2016".

ولكنّ العلاقة بين الكنيسة الكاثوليكيّة والمسلمين تعرّضت إلى هزّة كبيرة في عام 2006، عندما اقتبس البابا بنديكتوس السادس عشر ما قاله إمبراطور مسيحيّ في القرن الـ14 إنّ النبيّ محمّد أدخل "الشرّ وأفكاراً غير إنسانيّة" إلى العالم.

لم يشر الكاردينال ساندري إلى ذلك خلال زيارته، ولكنّه أشار إلى الحملة الصليبيّة، وقال للقادة المسلمين في القدس خلال مؤتمر صحافيّ عقد بعد زيارة المسجد الأقصى: "طبعاً لا يفكّر أحد الآن في موضوع الحملة الصليبيّة، فقد طلب البابا يوحنّا بولس الثاني المغفرة عمّا اقترفه الصليبيّون".

قال عضو مجلس الأوقاف الإسلاميّ في القدس المؤرّخ مهدي عبد الهادي لـ"المونيتور": "منذ 1400 سنة، كانت القدس مثالاً للتعايش الإسلاميّ-المسيحيّ. وقد تمّ تجسيد هذا التعايش أخيراً عندما تمّت إعادة إعمار كنيسة القيامة في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم، وحماية 400 مسيحيّ فلسطينيّ في القدس القديمة بدعم من الهاشميّين". وقد مدح عبد الهادي الكاثوليكيّين للمدارس التي تمّ إنشاؤها حيث "يتعلّم المسلم والمسيحيّ معاً".

ولكنّ رئيس اللجنة الإسلاميّة-المسيحيّة للقدس والأماكن المقدّسة حنّا عيسى قال لـ"المونيتور" إنّ العلاقة الكاثوليكيّة-الإسلاميّة لم تنضج بما يكفي بعد، وأضاف: "العلاقات الإسلاميّة-الكاثوليكيّة هي في وضع غير مؤهّل حتّى اللحظة للتطوّر، نتيجة الفكر الإسلاميّ الذي لا يقبل في الوقت الراهن الكاثوليكيّة في شكل صريح، بل العلاقة ممتدّة فقط على المستوى الرسميّ وفي حالات معيّنة، مثل اللقاء الذي جرى في الإمارات العربيّة المتّحدة أو في المملكة المغربيّة، الصعوبات بينهما في فهم الآخر استناداً إلى العقيدة، الإسلام يصرّ على عقيدته، وهو ثابت غير متغيّر.... الكاثوليكيّة أكثر انفتاحاً على الإسلام، لكن لا توجد حتّى تاريخه لغة مشتركة بمفهوم أن يصبح المسلم مسيحيّاً من وجهة نظر الإسلام، أمّا الكاثوليكيّة فلا تمانع في ذلك، وتعتبر ذلك حرّيّة دينيّة للفرد، هذه الفكرة لا تنضج في مجتمعات تعيش التعصّب الدينيّ كمنطقة الشرق الأوسط على سبيل المثال. إذاً هناك حتّى تاريخه فوارق كبيرة تحتاج إلى المزيد من الوقت ومزيد من الانفتاح على الآخر... على سبيل المثال، يهمّ دولة الفاتيكان أن يكون السفراء لديها مسلمين ليتسنّى لها إدارة العلاقة الكاثوليكيّة-الإسلاميّة في شكل أكثر انفتاحاً".

يعترف الأب بدر بأنّ الحوار وحده غير كافٍ لكسر جمود أيديولوجيّة مشكّل منذ قرون. ويقول: "لم نشهد أيّ اختراقات من اللقاءات الحواريّة، ولكنّ اللقاءات ساعدت في خلق أجواء أفضل". يأمل بدر أن يرى نتائج ملموسة، ويقول: "يجب ألّا نكتفي بمجرّد لقاءات حواريّة، إذ يجب العمل على الأرض، وهو ما يقوم به الحبر الأعظم من خلال العمل مع الفقراء، ومحاولة خلق بيئة قويّة تخرج عنها نتائج في العلاقات المسيحيّة-الإسلاميّة".

شكّلت كل ّزيارة بابويّة إلى المنطقة فرصة للحوار، ويقول بدر: "وقد شملت زيارات إلى المسجد الأقصى في دعم للعلاقات بين الأديان، كما شملت لقاءات سياسيّة مع قادة في الأردن وفلسطين".

تسير العلاقة بين الكنيسة الكاثوليكيّة والإسلام في الطريق الصحيح، وعلى الرغم من أنّ الزيارات المتبادلة تخلق أجواء إيجابيّة، إلّا أنّ خطوات أكثر جرأة ضروريّة لخلق اختراق يوفّر للمؤمنين من الطرفين فرصة لتحسين العلاقة بينهم وتطويرها.