موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ١٣ مارس / آذار ٢٠١٩
العقل أم الأمية.. من ينتصر؟!

د. محمد القضاة :

تجد نفسك في أحيان كثيرة تؤثر الصمت أمام كثير من الوقائع والمخالفات، غير أنك لا تحتمل مشهد الأمية الجديدة في عالم اليوم وما يتركه من آثار سلبية على كل مفاصل الحياة، وحين تتأمل الصور والمشاهد تقول لم يعد للعلماء والاوفياء والاصفياء والانقياء والوطنيين مكانا بين الفاسدين والمفسدين وبائعي الكلام، وحين تتعمق أكثر تصعق لحجم الكذب والتدليس والنفاق وتقول في نفسك ماذا أنتج الربيع العربي في الزمن الجديد؟

وحين تقرأ سنويا عن معدلات الأمية في العالم اجمع، تجد العالم يكافح لتقليل الفجوة بين الأفراد والرغبة الجامحة لدى الجميع لتقليص نسب الأمية، وهو امر مشروع وضروري في زمن التقانة الحديثة ووسائلها الجديدة. غير ان انخفاض نسبة الأمية في العالم العربي شعارٌ يحتاج الى اجابات حقيقية للمآلات التي وصلنا اليها، وللأسف تتفشى الأمية بين المتعلمين والنخب السياسية!؟ ومن يتابع الحوارات والنقاشات وبعض المناظرات والمحاضرات في مختلف ارجاء الوطن العربي يتسلل الى داخله سؤال كبير: لماذا تنتشر الأمية الجديدة في المجتمعات العربية؟ وما تعريفها، وماذا أعددنا لمواجهتها؟ هل النظم التربوية العربية والقُطرية هي المسؤولة؟ هل الجامعات هي السبب؟ هل التخلف الذي يضرب الجذور الثقافية والفكرية هو المشكلة؟

أسئلة لا تعد ولا تحصى ونحن في لب السؤال الأمية الجديدة؛ هل هي أمية الحضارة، ام أمية المدنية، أم أمية التطرف الديني، ام أمية المتعلمين، ام أمية التكنولوجيا، أمية ماذا اذن؟ ان المتابع للأوضاع السائدة في الوطن العربي يدرك اننا دمرنا بيوتنا بأيدينا، وجلبنا الدمار لكل شيء حتى تحولت بعض الدول العربية الى دول فاشلة، وحين تدقق بعمق تجد ان النخب السياسية والفكرية لا تقرأ الواقع بجدية؛ وإنما تبحث عن المغانم التي وصلت بتلك الدول الى الضياع، وصار التندر على احوال العالم العربي في العالم كله أمرا مستهجنا وغريبا. الامية الجديدة تضرب كل شيء، تضرب النظم التعليمية في المدرسة والجامعة، وتؤكد غياب النخب الفكرية والثقافية عن الحراك المجتمعي، فضلا عن بروز طبقة هلامية لا تعرف غير الواسطة في كل شيء. الأمية الجديدة تضرب العقل، وتعمل على امحائه وسرقته الى المجهول، إضافة الى سيطرة التيارات الراديكالية والمتطرفة على المشهد حتى غدت المنطقة في مهب الريح، وصار الحليم حيرانا.

الأمية الجديدة عالم جاهل يحشد الجغرافيا وكل ألوان الوساطات في سبيل منصب لا يغني ولا يسمن من جوع، ومسؤول كسر القالب خلفه واعتقد انه لم يخلق مثله في البلاد، ومصاب بداء الاعلام ويظن أنه الوحيد في ساحة العميان؟ وهل الأمية الجديدة مسؤول لا يقرأ ولا يعرف متى قرأ آخر كتاب؟! وإذا قرأ تجده يحفظ عنوان كتاب طيّار لا يدري ما فيه! حتى الصحف فأنت أمام أمية القُراء الذين يقرأون العناوين ولا يعرفون ماذا خَلفَه، وتجدهم يناقشون بأشياء غير صحيحة؟!

الأمية الجديدة تفتح شهية الجهلة على تسيّد الأمكنة كلها دون استثناء، وتتحدث بألسنتهم كخبراء وعلماء، وحين تسمعهم تشعر بالإحباط، انت الآن في عالم غريب، ينام فيه الحليم حيرانا، تسمع وتقرأ وتجد نفسك في متاهات لا حد لها، وتقول في نفسك هل انت الفهيم الوحيد في عالم لا تعرف فيه رأسك من قدمك من كثرة التحديات والمشكلات؟ وأمام كل هذا الواقع الجديد، كيف السبيل للخروج من المأزق؟ هل بمزيد من مكافحة الامية؟ أم بعودة جادة الى العقل الذي استنام وشبع نوما؟ ام بماذا؟ نعم تحتاج هذه الأمة كلها الى وقفة جادة تتجاوز فكر المستحيل الى العمل ليل نهار للتخلص من تحدياتها وعلى رأسها هذه الامية التي تضرب أنانية عقول النخب السياسية والفكرية، حيث بات الامر صادما امام عالم يتندر على كل ما هو عربي في هذا الزمن الجديد، فماذا نفعل والعالم يتقدم ويتغير، وامتنا مكانك قف! هل نستمر في اجتراع الأزمات والتحديات، ام نعود الى العقل لأخذ زمام المبادرة من جديد!

(الرأي الأردنية)