موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ١٧ يناير / كانون الثاني ٢٠١٩
الشجرة ليست يومًا عابرًا

رمزي الغزوي :

لا يزال لدي حلم عالق في رأسي: أن يمشي الراكب من عمان إلى بغداد، تحفه الأشجار وتظلله وتسليه، كما كان في سالف العصور، حسب قول العلماء وتصورهم. وهذا الحلم اجتراري، بمعنى أنه مرّ بصفحة ذهني مراراً، حينما كنت طالباً أسافر مرتين في السنة على هذه الطريق.

أما حلمي الأكثر إخضراراً، والذي يزداد ضغطاً على صفحة نهاري. أن تصبح مدينتي عمان، مزركشة بالحدائق، تطريها نقاوة الأوكسجين وتنقيها من هباب السيارات، وأن تلتحم أشجار شارع الأردن، وأن تغدو الطريق إلى العقبة كغمضة عين، لتنوع أشجار الجانبين.

لدي حلم أن نزرع في العام ملايين الأشجار ونرعاها، ونستميت لأجلها، وأن نستثمر غاباتنا بطرق صحيحة، وعلمية مدروسة، وأن نستحدث المشاريع التي تلائمها وتنميها وتنمينا. لا أن ندمرها من أجل إقامة صناديق الإسمنت البلهاء. لدي حلم أن تكون الشجرة أولوية كبرى في حياتنا، وأن لا تضيع غابات معمرة، بجرة قلم من مسؤول غافل، أو متغافل وأن نضرب بيد من حديد مافيات التحطيب التي تجتاح ثروتنا.

لدي حلم أن تعود مديرية الحراج التابعة لوزراة الزراعة دائرة كبرى، ذات استقلال إداري ومالي، وتحظى بالرعاية الكبرى. كما كانت في بداية تأسيس البلد، لتمتن عملها وتنمية مشاريعها وتنفيذ افكارها. لدي حلم أن يزرع كل طالب من أبنائنا شجرة في العام، تكبر معه ويكبر معها.

لدي حلم أن يفرض على كل مستثمر غرس شجرة حرجية، أو مثمرة، في أراضينا الجرداء، عوضاً عن كل متر مربع يغرسه من إسمنت في ترابنا. وعلى كل صاحب برج أن يشجّر غابة تحمل الاسم الذي يحمله برجه الشاهق، لتكون معادلاً موضوعياً للطبيعة. لدي حلم أن تشارك الشركات الكبرى في حلم التخضير.

بدأنا احتفالاتنا الرسمية بيوم الشجرة عام 1939 بزراعة جبل القلعة (هل ما زال هناك أشجار على هذا الجبل؟!). وهذا ما يدعوني إلى السؤال: أين ما زرعناها قبل سنوات؟!، أين الغابات التي من المفترض أنها تألقت وصار لها ظلال وارفة؟!، نحن لا نريد أن نقزم الشجرة في يوم عابر، ككل الأشياء الجميلة التي نتذكرها في يوم واحد فقط. نريد أن نعيد النظر بسياساتنا التشجيرية والنباتية بشكل كلي.

لدي جنون آخر، يضغط على بعض حلمي، لأطالب بجعل عيد الشجرة عطلة رسمية في بلدنا (كما كانت في البداية). تكون عطلة لا للنوم والتمطي حتى ترقوة النهار، بل تكون عملاً وفرق عمل ومعاول وزراعة وغراساً. فنحن لن نجذر محبتنا للأرض، دون أن نتشارك ونتواشج مع أبنائنا في لثم ترابها، بغرس شجرة تضرب جذرا عميقاً، نتفرع منه في سماء المحبة والنماء.

(الدستور الأردنية)