موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٥ يوليو / تموز ٢٠١٩
السيد المسيح يتحدّث عن الصلاة

المطران بيتسابالا :

الأحد السابع عشر للزمن العادي – السنة ج
(لوقا 11، 1-13)

في المقاطع الثلاثة التالية: صلاة "أبانا" ومثل الصديق اللحوح، وفي الحديث عن الأب الصالح الّذي يُعطي الروح القدس، يتحدث يسوع عن الصلاة، وعن أمر ما له علاقة بالجوع، وبالتالي عن شيء يصلح للأكل.

نحن نقول في الصلاة الربيّة: "خبزنا كفافنا أرزقنا لكل يوم" (لوقا 11، 3). والصديق، الّذي أتاه ضيف جائع في نصف الليل، يقول لصديقه "إقرضني... ثلاثة أرغفة" (لوقا 11، 5). ويقول يسوع، متحدّثا عن مدى صلاح الآب، الّذي يعرف كيف يهب الخيرات الصالحة دائمًا: "أي أب منكم إذا سأله ابنه رغيفًا يُعطيه حجرًا، أو سأله سمكة يعطيه بدل السمكة حية، أو سأله بيضة أعطاه عقربًا" (لوقا 11، 11-12). الحديث هنا عن الطعام، وعن شخص ما يقدّمه.

فالصلاة، إذاً، ليست في المقام الأوّل شيئًا يجب فعله، بل شيئًا نتغذى عليه. لا بل إنها، في الواقع، اكتشافٌ لشخص يقدم لنا الغذاء. إنها اكتشاف الشيء الّذي يُغذي فعلاً، وهي اكتشاف علاقة قادرة على تلبية احتياجاتنا للحياة.

التلاميذ هم الذين يطلبون من يسوع أن يعلّمهم الصلاة. يرونه يصلي، ويدركون أنه يتغذى من هذه العلاقة مع الاب؛ يرون أن لحياته ينبوعا خفيا، يجعلها حقيقية ومثمرة.

تمر خبرة التلمذة بالضرورة عبر هذا الطلب الموجه ليسوع: علمنا أن نصلي. إنه سؤال أساسي: عند نقطة معينة، يجب أن يشعر الإنسان داخل نفسه بالرغبة في بناء علاقة مع الله الّذي يغذّينا.

يدرك التلاميذ أن صلاة يسوع جديدة، تختلف عن صلاة المعمدان، وتختلف عن صلاة أيّ أحد آخر. هي صلاة خاصّة به، وهو الوحيد الّذي يستطيع أن يعلمها. يشعر التلاميذ بأنهم يفتقدون شيئًا ما، وهذا تحديداً ما يفتقرون إليه؛ يشعرون بالجوع ويطلبون الشبع. وتلك هي صلاة بالفعل.

وكي ندع أنفسنا نتغذى، نحن بحاجة بداية إلى الشعور بالجوع.

إن من يعرف كل شيء، ومن يملك كل شيء، ومن يمكنه فعل كل شيء، والمكتفي بذاته، والشبعان ومن لا يعرف الجوع؛ ومن لا يحتاج أن يطلب أي شيء من أحد: هذا الانسان لا يصلي.

والشخص الّذي، رغم عدم امتلاكه لأي شيء، وليس لديه أحد يطلب منه شيئا، هو أيضاً لا يصلي.

وكذلك لا يصلي الشخص الّذي لا يعرف أن هناك شخصاً ما مستعدا أن يعطي، وأن يسدّ جوعه.

الصلاة التي يعلّمها يسوع تلاميذه هي عبارة عن الخبرة التي تولد في حياة الذين يعرفون حقيقة أنفسهم وحقيقة الربّ.

إنّ الحقيقة الأكيدة الخاصة بنا هي كوننا جياعا وفقراء، ناقصين ومحدودين: لا يرى الكائن المحتاج أن حاجته عقبة أمام الصلاة، إنما هي قوته.

لكن إذا علمنا عمق حاجتنا فقط ولم نكن على علم بصلاح الربّ، وإذا لم نكن نعرف أن شخصاً ما يهتمّ بجوعنا، فإن حياتنا ستكون بائسة.

ويردّ يسوع على تلاميذه مبيّناً لهم وكاشفا اسم الشخص الّذي يُغذّي حياته. إنه الآب.

إنّ "الآب" هو مصدر الصلاة والحياة.

وفي مسيرة الحياة الّتي مصدرها وغايتها هو الآب، يُبيّن لنا يسوع كيف يقوم الآب بتغذيتنا.

هذه هي الطلبات الخمس لصلاة "أبانا": في وسطها، على وجه التحديد، طلب الخبز اليومي.

أما الطلبات الأربع الأخرى فتخبرنا عن طعم خبز الله، وما هو شكل الخبز الّذي يُغذّينا به، وما هو الشيء الّذي نحتاجه حقاً للعيش.

نحن بحاجة إلى أن يتقدس اسم الله (لوقا11، 2). الله ذاته موجود في اسمه: لكن من يجرؤ على نطق اسم مقدس بشفاه نجسة؟ الإشارة في العهد القديم هي في حزقيال 36، 23، حيث نجد الله نفسه يهتم بتقديس اسمه المهان من قبل البشر. ويتم اصلاح الإهانة من خلال الحب. لا يريد الله أن يبقى هذا الاسم بعيد المنال، ومحصورا على الأطهار. وهو يفعل ذلك من خلال منحنا قلبًا جديدًا، قلبًا قادرًا على حمل اسمه في الداخل، قلبا يقدّس اسمه حتى يكون مصدر قداسة للجميع.

نحن بحاجة إلى أن يأتي ملكوته (لوقا 11، 2): لأن "مملكاتنا" تولّد الموت والعنف. إن ملكوت الآب هو المملكة الّتي فيها يمنح أحدنا الحياة للآخر.

نحن بحاجة إلى المغفرة، التي نتلقاها ونتقاسمها (لوقا 11، 4)، وهذا يعني أننا بحاجة إلى أن يضعنا الله أمام أحد الأمور الأساسية للحياة، وهو وجود الشرّ. نحن بحاجة إلى أسلوب جديد لمواجهة الشر. وهذا الأسلوب هو الغفران.

وأخيرا نحتاج إلى الله للعناية بحياتنا، كي لا نسقط في التجربة. من المثير للاهتمام أنه في رواية تجارب يسوع (لوقا 4، 1-13) يعود موضوع الخبز: عندما يكون الإنسان جائعًا، أي في حالة عدم توفر الخبز، يمكنه أن يستسلم لتجربة البحث عنه خارج نطاق العلاقة مع الآب، معتمداً على نفسه. إن أولئك الذين يقرون أن الله هو الآب، هم وحدهم يعرفون كيف ينتظرون منه الخبز.

لهذا السبب يروي يسوع مثل الصديق اللجوج، الّذي يصرّ على الطلب.

وكأن يسوع يدعونا إلى عدم الاكتفاء بأي خبز كان، بل يطلب منا البحث عن الخبز الجيد. والمصر اللحوحّ يرضى أن يبقى جائعا، ريثما يجد الخبز الطيب الّذي يسد جوعه. إنه فعل الإيمان بالنسبة للذي لا يتراجع أمام صمت الآب لأنه يعلم أنه حتماً سيعطي الحياة، بالطريقة والزمن المناسبين لنا.

هناك، في الترقب، تنمو العلاقة، وتصبح مغذّية حقًا. وإلا كانت ضربًا من السحر.

ثم يقوم يسوع بتربية رغبتنا وذوقنا، حتى نتمكن من التعرف على طعم الخبز الحقيقي، ومعرفة كيفية طلب ذلك، والصبر على الانتظار. ليس كل خبز يسد جوعنا، بل الخبز الذي له طعم قداسة اسم الآب، طعم ملكوته، وطعم المغفرة والخلاص.