موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ١٨ يناير / كانون الثاني ٢٠١٩
السلطة الخامسة

جميل النمري :

لم يعد هناك شك، أنها السلطة الخامسة، سلطة جديدة أثبتت سطوتها وتحسب لها السلطات الثلاث في الدولة حسابا لم تحسبه لأحد من قبلها ولا حتى للسلطة الرابعة (الصحافة والإعلام) من قبلها. وهي تحتار معها وفيها، فالقبض عليها مثل القبض على الماء وإطلاق النار عليها مثل اطلاق النار في الهواء، واحتواؤها مثل احتواء الغيم في قفص، انها تفلت على كل ضبط أو سيطرة أو تطويع، انها القنوات الممدودة بلا حدود والمفتوحة بلا قيود من كل فرد الى كل فرد للتعبير والنقل وتداول الكلام والآراء والمعلومات والإشاعات أو "النكات" ولا مجال للتعامل معها الا بنفس وسائلها وبالمنافسة من داخلها دون اية ميزة لمستخدم عن آخر، رئيس الوزراء يستخدم نفس الحق والفرصة مثل اي مواطن وليس امتياز المانشيتات على الصفحة الأولى في الصحف اليومية، وأي وزير مثل أي عاطل عن العمل وصاحب أعظم مؤسسة مثل صاحب اصغر بسطة ليس لأحد زيادة عن الآخر لا في المساحة ولا الوقت فهو أصلا مجاني للجميع والتميز يصنعه عدد المشاهدات والاعجابات والمشاركات. عامل وطن وهو بجانب حاوية يستل الخلوي ويسلخ رسالة او صورة قد تحقق اختراقا فيساهم بتدويرها المعجبون كما لو كانوا جندا مجندين لتصل الى الملايين. السلطة الخامسة تنفعل بقوانينها الخاصة التي لم يضعها احد ولا يقبض عليها احد وتفعل فعلها كما لم يتوقع أحد. أتحدث بالطبع عن وسائل التواصل الاجتماعي.

طرأت لي الخاطرة أعلاه وأنا أنظر صباح أمس من نافذة البيت مخذولا الى تواضع بقايا "الثلجة" التي اعلنت العطلة من اجلها بينما هي من المستوى العادي الذي اعتدنا عليه وقد استمرت فقط لبضع ساعات في الليل ولم تكن ابدا تتناسب مع حالة الطوارئ القصوى التي اعلنت لمواجهتها. واعتقد ان المعطيات عند الأرصاد الجوية الذين يواجهون كل شتاء كل انواع المنخفضات القادمة من الغرب والشمال ويعرفون قياساتها لم تكن بخافية عليهم لكن كما يقال "المقروص يخاف من جرة الحبل"، والمسؤولون في مؤسسات الدولة الذين جلدهم الرأي العام على وسائل التواصل بكل عنف في كارثة البحر الميت باتوا كأن على رؤوسهم الطير مع أي احتمال لأي مكروه يحدث لأي سبب كان. ومع الطقس تجدهم مرعوبين من الاحتمالات الغادرة فانقلبت السياسة الاعلامية الرسمية رأسا على عقب من التهوين والتقليل الى التضخيم والتهويل لردع الناس ودفعهم للحيطة والحذر وأيضا لدفع المسؤولية عن السلطات التي قامت بواجبها ووجهت المواطنين كما يجب، فسبحان مغير الأحوال بفضل وسائل الاتصال.

حتى الآن ديمقراطيتنا مجزوءة، ولا يرى الناس البرلمان يمثلهم وليس لدينا حكومة منتخبة ولا يتحمل المسؤولون نتائج السياسات والقرارات لكن الله عوضنا ببديل اقوى وسلاح أمضى هو السلطة الجديدة للجمهور التي قامت دون اذن من احد ومفتوحة للاستخدام على قدم المساواة للجميع. مؤسسات الديمقراطية التي طالما حسدنا الغرب عليها دون ان نستطيع استنساخها، جاءنا من عندهم على غير ميعاد أو قصد ما يضاهيها حيث يمكن مراقبة السلطات ومخاطبتها ومساءلتها وأكثر من كل ذلك السخرية منها بلا قيد ولا شرط، وكل يوم تعطي السلطة التنفيذية مادة للسخرية ما كان ممكنا أن تتفجر كالينابيع لولا وسائل التواصل وخذ مثلا قائمة السلع التي خفضت عليها ضريبة المبيعات.. إني لأتابع الكتابات والتعليقات الساخرة وما فيها من سطوة وسلطان و.. سلاطة لسان فأشفق على حكومات ومسؤولي هذه الأيام وقد ابتلوا بمعاصرة سلطة خامسة تتواضع أمامها كل السلطات.

(الغد الأردنية)