موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٤ ابريل / نيسان ٢٠٢٠
السفير عيسى قسيسية يكتب: من الولادة، إلى القيامة تنتصر الحياة على الموت
سفير دولة فلسطين لدى الكرسي الرسولي، وعضو اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس

سفير دولة فلسطين لدى الكرسي الرسولي، وعضو اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس

السفير عيسى جميل قسيسية :

 

في خضم مواجهة وباء "كورونا"، ينصب تفكير الإنسان في هذه الأوقات العصيبة حول هذا العدو الخفي وسبل مواجهته، وانا كغيري من الناس، نعيش هذا الهاجس كل لحظة، وخوفي على عائلتي وأهلي ووطني والإنسانية جمعاء، إلا أنه وفي لحظة توقفت أشاهد ساحة المهد من خلال تقرير تلفزيوني وهي فارغة تماما من زوارها، وفي ذهني وفي الماضي القريب كنا نرى كيف كان الزوار الحجاج يأتون من كل أرجاء المعمورة، مصطفّين في إنتظار دورهم لدخول الكنيسة وزيارة مغارة مولد رسول السلام، خاشعين وضارعين إلى العلي القدير.

 

نعم توقفت دقيقة أمام هذه الرسالة السماوية وأخذتني خواطري إلى داخل كنيسة المهد، حيث لبست ثوبها الجديد المزخرف والناصع بعد عملية ترميم وجهد عظيمين حفاظا على هذا الإرث الديني والإنساني، لتبقى الكنيسة لؤلؤة الإنسانية، يشع منها نور الحياة وتتجدد بها روح الحياة والأمل مع الاحتفال في كل عام بولادة رسول المحبة والسلام مرددة "المجد لله في العلى وفي الناس المسرّة".

 

نعم، وفي غفلة القدر، وفي مشهد لم نكن نحلم بأن نعيشه، نجد كنيسة المهد، كما هي كنيسة القيامة قد أصبحتا حجارة صامتة ويغلب عليهما السكون التام، تقرع أجراسهما بحزن وألم في هذا الزمن الأربعيني المقدس وأنظار المؤمنين من أقطار العالم ترحل إلى المدينة المقدسة، إلى طريق الآلام وكنيسة القيامة، في أسبوع الآلام وعيد الفصح المجيد.

 

ستفتح الكنيسة أبوابها للحفاظ على الشعائر الدينية والستاتسكو -الوضع القانوني والتاريخي- للاحتفالات ولتهزم الوباء وتنتصر الحياة على الموت , ولتنتصر الإنسانية أيضا، مع قيامة المسيح، وفي هذا السياق نتذكر أيضا الماضي القريب احتفالات الميلاد وقد دقت أجراس الميلاد في مدينة الميلاد مهللة بفرح عظيم بولادة يسوع المسيح، ومعه تتجدد الآمال والحياة ورسالة المحبة والأخوة الإنسانية.

 

نعم، أرى هذا اليوم، وقد امتلأت ساحة المهد وكنيستها بالوفود والحجاج متضرعين إلى الله لتتجدّد الحياة والآمال وستهزم بيت لحم قوى الشر وتخرج منتصرة وقد رسمت الابتسامة على وجوه أطفالها ونسائها ورجالها، وادخلت السعادة في قلوب أهلها المسلمين والمسيحيين المثابرين، الثابتين في هذه الأرض المقدّس، وتقرع أجراس القداديس ومآذن الجوامع تصدح بذكر الله.

 

نعم، وأني أرى سيادة الرئيس محمود عباس ومعه اللجنة الرئاسية، وقد أشرف شخصيا على تجديد ثوب كنيسة المهد لترتدي حلّتها الجديدة، وقد استقبل رؤساء وزعماء العالم ومعه أصحاب الغبطة البطاركة ورؤساء الكنائس في الأرض المقدّسة، وقد لبّى رؤساء الدول دعوة سيادته، للاحتفال بالنصر الكبير على الوباء والاحتفال معا وسويا بتجديد كنيسة المهد بعد أعمال دامت سنوات عديدة بإعتبارها إرثا عالميا للإنسانية جمعاء، وهذا ما أكدّت عليه منظمة التراث العالمي، مثنية على هذا الإنجاز الفلسطيني المميز.

 

نعم يأتي الرؤساء إلى بيت لحم، ولكن حضورهم هنا ليس كأي حضور في أية مناسبة أو حدث اخر مهما كان هدفه، فأصحاب الفخامة والسيادة سيأتون ليعيشوا الثقافة والفن ويشاهدوا جمال الزخرفة والفسيفساء ويتعرفوا عن قرب على إبداعات ومقوّمات الحجارة الحيّة في فلسطين، على الرغم من غطرسات المحتل. الأهم من كل ذلك، أنها مغارة الميلاد، نعم، فمن مغارة الميلاد يشع نور الأمل للمعمورة، كما من القيامة تنتصر الحياة على الموت بقيامة يسوع المسيح.