موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٥ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٠
السفير الفاتيكاني في بيروت يدعو إلى حوار صادق ومنفتح لا يُقصي أي أحد

بعبدا - أبونا :

خلال استقباله أعضاء السلك الدبلوماسي وممثلي المنظمات الدولية لمناسبة الأعياد، أكد رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون أن "عوامل عدة، منها ما هو خارجي ومنها ما هو داخلي، تضافرت لتنتج أسوأ أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية ضربت لبنان"، وأدت هذه الضغوط "إلى نزول الناس إلى الشارع بمطالب معيشية محقة وبمطلب جامع لكل اللبنانيين وهو محاربة الفساد".

■ كلمة المطران سبيتيري

وكان سفير الكرسي الرسولي (الفاتيكان) وعميد السلك الدبلوماسي، المطران جوزيف سبيتيري، قد ألقى في بداية اللقاء كلمة أكد فيها على أهمية الحوار وخصائصه التي تحترم الآخر ورأيه، ولا تقصي أحدًا من المعارضين أو الموالين أو غير الراغبين بأخذ أي طرف. وشدد على أن "آفة الفساد تعرقل عمل الدولة في خدمة جميع مواطنيها بشكل فعّال".

وقال: "صاحب الفخامة، لقد تسنّى لي، كما لكثيرين من السفراء الحاضرين هنا، زيارة عدة مؤسّسات انسانيّة وخيريّة في بلدكم الجميل. إنّ غالبيّة هذه المؤسسات تابعة لمنظّمات دينيّة، وهي تستقبل الجميع بدون تمييز. تشهد كلّ هذه المؤسسات للتضامن العميق الذي يحرّك المجتمع اللبنانيّ، والذي ينبع من القلب. يُذهلنا، جميعًا، كرمُ اللبنانيّين وصلابتُهم. باستطاعة لبنان أن يكون، عن حقّ، فخورًا بأبنائه وبناته الذين يجهدون لتأمين العناية والمساعدة الضروريّتين للأطفال، والشباب، والراشدين، والمسنّين، وخصوصًا لذوي الاحتياجات الخاصّة منهم".

وتابع: "بالمقابل، يعتري غالبيّةَ اللبنانيّين انزعاجٌ عميقٌ بسبب ظاهرة مضادة في المجتمع اللبنانيّ تتمثّل بآفة الفساد، التي لطالما لقيت شجبًا من فخامتكم. للأسف، إنّ هذه الظاهرة المضادّة تعرقل عمل الدولة في خدمة جميع مواطنيها بشكل فعّال. إنّ الفساد يعيق الحكومة في تأمين تعليم جيّد، وعناية طبية، وضمان اجتماعي، ومياه وكهرباء... إنّ هذه الآفة تحدّ من الحماية ومن الضمانات التي تؤمّنها سيادة القانون".

وأضاف: "لذا، ذُهلنا بالدعوة الصادقة إلى التجديد القائم على الأخلاقيّات في البلد، الّتي أطلقها الشباب خلال الأشهر الثلاثة الماضية، حيث عمّت الاحتجاجات جميع الربوع اللبنانيّة. إنّ الشباب، مصحوبين من الأجيال السابقة، ومدفوعين من روح تضامن عميق، اجتمعوا حول العلم اللبناني، مطالبين بالاحترام لحقوقهم الثابتة. لقد طالبوا أيضًا باصلاحات سياسيّة، واجتماعيّة، واقتصاديّة. فهم ضدّ الفساد، وهم يطالبون بغدٍ أفضل، وإنّهم لمستحقّونه".

وقال: "إنّ الفساد يُبيد التضامن. فهو يسمّم قلوبنا، وأفكارنا، وأعمالنا، ويعمينا، فلا نعود نعتبر الآخرين مساوين لنا في الكرامة. إنّه يحملنا إلى الاعتقاد بأنّ الآخرين هم مجرد أشياء متوفّرة لنا، بامكاننا التصرف بها ورميها حين نريد. إنّ الفساد يعيق الحوار الحقيقيّ والمشاركة الفعّالة للكفاءات. إنّ الحوار والمشاركة، عمليًّا، يشكّلان جوانب أساسيّة للتضامن. وبالتالي، يمكننا اعتبار التضامن ترياقًا للفساد. فالحوار مستحيل إذا لم نعتبر بعضنا البعض متساوين. هذا الحدس الأساسيّ يكمن في عمق مبادرة فخامتكم في إنشاء أكاديميّة اللقاء والحوار، التي أقرّتها الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة في 16 أيلول 2019. نرجو فخامتكم قبول أصدق تهانينا، وأفضل تمنيّاتنا لتنفيذ سريع لهذا المشروع الخيّر في خدمة الأخوّة الإنسانيّة في لبنان وفي العالم كلّه".

وأضاف: "لا أخوّة انسانيّة ممكنة بدون حوار. إنّ المجتمع الدوليّ، الممثّل هنا برؤساء البعثات الدبلوماسيّة ومسؤولي المنظّمات الدوليّة، لا زال يشدّد على ضرورة حوار صادق قائم على الإحترام بين القادة السياسيّين انفسهم، كما بينهم وبين اولئك الّذين يطالبون بالتغيير الحقيقيّ. لا يستطيع الحوار أن يُقصيَ أيَّ أحدٍ: المؤيدين، والمعارضين، وغير الراغبين بأخذ موقف مع أيّ طرف. لكلّ مواطن الحقّ في أن يُسمعَ صوتُه. إنّ أيّ نوع من العنف، نفسيًّا كان أم جسديًّا، يدمّر امكانيّة الحوار، تمامًا كما يدمّرها إلقاء اللوم، بشكل دائم، على الطرف الآخر. والحوار الصادق يتطلّب انفتاحًا، وإرادة صالحة، ورغبة في الوصول إلى اتفاق، من خلال التضحية ببعض المواقف والأفكار. كلّ ذلك، من أجل الخير العام. نجدّد اليوم التعبير عن أمنيتنا الحارّة بأن يؤدي الحوار والإرادة الصالحة عند جميع الفرقاء المعنيّين، إلى تشكيلٍ سريعٍ لحكومةٍ يُكتبُ لها الحياة، لكي تقرّ الإصلاحات الطارئة والضروريّة وتوضع حيّز التنفيذ، ولكي تُستعاد الثقة لدى جميع اللبنانيّين ولدى جميع أصدقاء لبنان".

وتابع: "فخامة الرئيس، يبدو أنّ احتفالات المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير محجوبةٌ بالثورة اللبنانية، وبالأزمة الماليّة والإقتصاديّة، وبالمشاكل المرتبطة بتشكيل الحكومة الجديدة. ليست هي المرة الأولى التي يمرّ بها لبنان بأوقات شديدة الصعوبة. كلّ ضائقة شديدة تُنذر بنهاية حقبة، ولكنّها ليست أبدًا نهاية التاريخ. إنّ اللبنانيّات واللبنانيّين سوف يتابعون، كمواطنين أحرار في بلد حرّ، كتابة فصول جديدة في تاريخهم. نحن مقتنعون أنّ اللبنانيّين يُحسنون أخذ الموقف الصائب لاكتشاف الفرص الجديدة التي تتظهر من خلال الأزمة الحاليّة. اللبنانيّون غير خائفين من الجراحات التي قد تسبّبها اللقاءات الصادقة بين البشر، لأنّهم يؤمنون أيضًا أنّ التضامن يشفي كلّ جرح".

وحيّا المطران سبيتيري في هذا الصدد "دور المرأة اللبنانيّة في المجتمع وفي الإدارة، وخصوصًا في الثورة الحاليّة، لأنّها لا تطلب فقط تجديدًا جذريًّا، بل لأنّها تشهد أيضًا للتضامن الفعّال. عسى أن يُلهمَ مَثَلُها جميعَ الذين يُمسكون بزمام السلطة، خصوصًا في القطاع المصرفيّ وفي السياسة، لكي يكونوا موضع مساءلة، ولكي يأخذوا القرارات الصائبة والأخلاقيّة الآيلة إلى خدمة لبنان ومواطنيه، خصوصًا في هذا الوقت العصيب. إنّ أصدق تمنيّاتنا هي أن تشكّل هذه المئويّة فرصة سانحة لإعادة اكتشاف الحدس الأساسيّ الذي كان وراء تأسيس لبنان الوطن، ليس أوّلاً كوطن يجمع أقليّات، بل كجماعة من المواطنين الأحرار، ينصّ الدستور عن الطابع الثابت لكرامتهم، ولمساواتهم، ولحقوقهم".

وأردف: "من غير الممكن إنهاء كلمتنا، بدون ذكر الوضع الحاليّ في الشرق الأوسط. إنّنا جميعنا مرتبطون ثقافيًّا، بطريقة أو بأخرى، بهذه المنطقة من العالم، هذه المنطقة التي لا زالت تعاني من حروب لا تنتهي، والتي تواجه اليوم تشنجات متجدّدة. نتمنّى الاستقرار والنموّ الإنسانيّ الكامل لجميع شعوب المنطقة. نريد، اليوم، حثّ جميع اللبنانيّين على المثابرة الجلودة على الالتزام بالحريّة، وبالحقوق الأساسيّة، وبالديمقراطيّة، وبالتضامن، لكي يظلّ اللبنانيّون مصدر إلهامٍ ورجاءٍ عن امكانيّة العيش المشترك والمتناغم، وعن التطوّر، ليس فقط في بلاد الأرز، بل أيضًا في البلدان المجاورة"، سائلاً "الله الكليّ القدرة، في حكمته ورحمته، أن يُغدق بركاتِه، على فخامتكم وعلى عائلتكم، كما على جميع اللبنانيّين، خلال سنة 2020، التي هي سنة مئويّة وسنة رجاء".

■ كلمة الرئيس عون

وألقى الرئيس عون كلمة علّق فيها بداية على رسالة البابا فرنسيس في اليوم العالمي للسلام.

وقال: "ملفتٌ اعتبار قداسته أن السلام هو طريق الرجاء، رجاء مشترك بين الشعوب في وجه الحروب والاضطهاد واللاعدالة؛ فالرجاء هو جوهر إيماننا، ونحن نرقد تحت التراب على رجاء القيامة. وإذا كان السلام هو رجاء الشعوب فهذا يعني انه جوهر حياتها. وليت المتحكمين بمفاصل السلام العالمي يلتفتون إلى هذه الحقيقة عند اتخاذهم قرارات قد تهدّد السلم والاستقرار في بقع مختلفة من عالمنا. وإذا كان العالم كما يقول قداسته: لا يحتاج إلى كلمات فارغة بل الى صانعي سلام منفتحين على الحوار، فلا شك أن البابا فرنسيس هو أولهم وأشجعهم، وله في قلوب اللبنانيين كل التقدير والمحبة".

وحول الأوضاع اللبنانية الحالية، أكد رئيس الجمهورية أن "عوامل عدة، منها ما هو خارجي ومنها ما هو داخلي، تضافرت لتنتج أسوأ أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية ضربت لبنان". وأوضح أنه "منذ بداية هذا العهد شكّل الوضع الاقتصادي والمالي الهمّ الأكبر". وقال: لقد "بذلتُ جهودًا كبيرة للمعالجات الاقتصادية ولكنها لم تأتِ بكل النتائج المأمولة لأن الوضع كان سيئًا والعراقيل كثيرة. وقد أدّى الضغط الاقتصادي المتزايد إلى نزول الناس الى الشارع بمطالب معيشية محقة وبمطلب جامع لكل اللبنانيين وهو محاربة الفساد".

وأضاف الرئيس عون: "لقد شكّلت التظاهرات خصوصًا في بداياتها، فرصة حقيقية لتحقيق الاصلاح المنشود لأنها هزّت المحميات الطائفية والسياسية وقطعت الخطوط الحمر وباتت المحاسبة ممكنة، وأعطت دفعًا قويًا للقضاء فتحرك في أكثر من اتجاه، وأقرت الحكومة السابقة ورقة اصلاحات كان يستحيل اقرارها في السابق. ولكن محاولات استغلال بعض القوى السياسية للتحركات الشعبية أدّت الى تشتّت بعضها وإغراقها في راديكالية رافضة، وأفقدتها الوحدة التي انطلقت منها للمطالبة بإحداث التغيير، كذلك نمط الشائعات المعتمَد من بعض الإعلام وبعض المتظاهرين، حرّف بعض الحراك عن تحديد مكامن الفساد الحقيقي وصانعيه بصورة صحيحة، ولا زلت أعوّل على اللبنانيين الطيبين في الشوارع والمنازل لمحاربة الفساد".

ولفت إلى أن "ولادة الحكومة كانت منتظرة خلال الأسبوع الماضي، ولكن بعض العراقيل حالت دون ذلك. وعلى الرغم من أننا لا نملك ترف التأخير، فإن تشكيل هذه الحكومة يتطلّب اختيار أشخاص جديرين يستحقون ثقة الناس والمجلس النيابي مما تطلب بعض الوقت؛ فالمطلوب حكومة لديها برنامج محدد وسريع للتعامل مع الأزمة الاقتصادية والمالية الضاغطة، ومجابهة التحديات الكبيرة التي تواجه لبنان وكل المنطقة. وسنبقى نبذل كل الجهود الممكنة للتوصل الى الحكومة الموعودة، مقدّمين المصلحة الوطنية العليا على أي اعتبار آخر".

وخلص الرئيس عون في كلمته إلى أعضاء السلك الدبلوماسي وممثلي المنظمات الدولية، إلى القول: "إن لبنان يحيي هذا العام الذكرى المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير، وإني لواثق ان هذه المئوية ستشكل فرصة ملائمة، وسط جميع عوامل القلق وضبابية الرؤية، لإعادة اكتشاف دور لبنان ومكانته، وأكثر: فرصة ملائمة لتجديد الالتزام من قبل جميع اللبنانيين بتحدي بناء وطن يليق بالإنسان وكرامته، ويرتقي الى ما منحه الله من عطية لأرضنا كي تكون رسالة، تتحقق بالفكر والعمل وارادة أبناء هذا الوطن".