موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٥ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٨
الرئيس اللبناني السابق أمين الجميّل يفتتح مؤتمرًا حول مسيحيي الشرق
بيروت - وطنية :

افتتح الرئيس اللبناني السابق أمين الجميّل مؤتمرًا بعنوان: "هل للمسيحيين مستقبل في الشرق الأوسط؟" الذي عقد بدعوة من "بيت المستقبل" بالتعاون مع مركز "ولفريد مارتن للدراسات الأوروبية" و"مركز القدس" في بيت المستقبل سراي بكفيا، تمت في خلاله مناقشة مستقبل المسيحيين في الشرق الأوسط. وضم نخبة من الناشطين السياسيين والمثقفين ورجال الدين من لبنان والأردن ومصر والعراق وسوريا وفلسطين المحتلة.

وألقى الجميّل كلمة، اعتبر فيها أن "ما حصل خلال السنوات التسع الماضية يحتم طرح مستقبل المسيحيين ما أصاب المسيحيين جراء أحداث السنوات الأخيرة، أصاب المسلمين أيضًا. بل ما تعرض له المسلمون قد يكون أشد قسوة. إنما الأثر الذي يصيب المواطن المسيحي أكبر لأن النتائج أدت في أماكن كثيرة إلى إقتلاعهم حتى بات وجودهم على المحك. ما يحتم ضرورة طرح موضوع الوجود المسيحي في المنطقة: هل هو عنصر وجودي وضروري أم أنه عابر وعرضي؟ وكما أن العنوان العريض هو أهمية هذا الوجود أو عدمه، يتوجه المؤتمر أولا إلى المسيحيين لإجراء مراجعة عميقة لدورهم في الجوهر والممارسة في آن واحد. هل يقوم المسيحي بدوره في الجوهر؟ هل يقوم المسيحي بدوره في الممارسة؟ هل يتحمل المسيحي في الشرق مسؤولية ما آلت إليه الأمور منذ نهاية القرن الماضي حتى اليوم؟ وما هو المطلوب من المسيحي تأسيسا على التجارب التي مر بها؟".

وسأل: "في المقابل، ما هي قراءة المسلمين للدور المسيحي؟ وما هي واجباتهم إزاء هذه القضية؟ وهل يعتبر المسلم العربي أن الوجود المسيحي هو عنصر إغناء وإضافة ضرورية للإسلام العربي بخاصة، بحيث لم يكن المسيحي يوما عنصر عرقلة أمام طموحات وأهداف الإسلام العربي، بل كان مكملا وداعما ومروجا. وهل كانت بصمات التجارب المرة التي مر بها العالم العربي خلال القرن المنصرم وخلال العقد الأخير من هذا القرن، إيجابية أم سلبية؟ هل تغير شيء لدى المسلم؟ هل الدروس كانت كافية؟".

وقال: "إلى المسيحي والمسلم نقول: متى تترسخ القناعة بالمواطنية وتصبح الشعارات حقيقة ولا يعود الانتماء الديني والهوية الدينية فوق الهوية الوطنية أو إضافة لها أم إنتقاصا منها؟ عندها تسقط مقولة الأقلية والأكثرية المبنية على الهوية الطائفية. وحبذا لو نستطيع من خلال هذا المؤتمر فهم أسباب تقهقر الوجود المسيحي وسبل الحد منه. قد تقولون إنني طرحت أسئلة دون محاولة الإجابة عليها.. أساسا، لا تملك جهة واحدة أجوبة مطلقة، إنما يمكن لمثل هذه اللقاءات التي تجمع خبرات وتجارب وشهادات متنوعة أن تفتح نافذة جدية لنقاش معمق وصادق".

من جهتها، قالت الأمينة العامة لمجلس كنائس الشرق الأوسط ثريا بشعلاني: "يرفض المسيحييون العنف وينبذون التطرف وهذه الأمور لا تمت اليهم ولا الى الاسلام بصلة. وبقدر ما يحاول المسلمون التخلص من هذه المفاهيم يسعى المسيحييون ايضا الى مناهضة هاتين الآفتين. ولقد اختار المسيحييون العيش مع اقرانهم في الوطن الواحد ضمن دولة ديموقراطية تسود فيها سيادة القانون. تبقى فلسطين المحتلة واحقاق العدالة لشعبها وتأمين عودة اللاجئين وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس من أهم الاهداف التي نعمل عليها. كما نسعى الى بناء نموذج للعيش معا في سوريا والعراق ومصر ودولة أخرى". ولفتت الى أن "مجلس الكنائس يؤمن ان للكنائس في هذه المنطقة دور اساسي لا بد من ان يظهر جليا لتأمين كرامة الانسان المخلوق على صورة الله ومثاله".

وألقى ممثل مركز "ولفريد مارتن للدراسات الأوروبية" فيت نوفوتني كلمة، أكد فيها ان المركز "لطالما حاول رفع الصوت في اتحاد الاوروبي لتسليط الضوء على الوضع الصعب للمسيحيين في منطقة الشرق الأوسط". وقال: "نواجه حاليا في اوروبا عددا من التحديات ابرزها ازدياد الشعبوية لاسباب عدة، اولها الازمة الاقتصادية وموجات الهجرة غير المسيطر عليها والتي فاجأت العديد من الدول الأوروبية، كما نواجه صعوبة في دمج الأعداد الكبيرة للاجئين، مما يضعنا امام تحديات كبيرة، اهمها خوف مستجد بالنسبة الى اوروبا".

أما مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي، فقال: "لا شك أننا جميعا نتشاطر القناعة ذاتها، بأن مسيحيي بلداننا قد تعرضوا وإن بتفاوت بين بلد وآخر، ومن زمن إلى زمن، لصنوف شتى من التمييز والاستهداف، أدناها التمييز في الدساتير والتشريعات والممارسات، وأشدها هولا حروب الإبادة والتهجير المنهجي المنظم من قبل جماعات دينية متطرفة عنيفة... ولا شك أننا جميعا نتشاطر القناعة ذاتها، بأن من المحال استمرار الحال على هذا المنوال، فهذه المنطقة لن تكون ذاتها من دون مسيحييها، ولا يمكن لكل ذي عقل وبصيرة وضمير، أن يتصور هذا المشرق من دون مسيحييه". وتحدث عن "مجموعة من الخلاصات توصل إليها المركز نتيجة لدراسة ظاهرة التمييز ضد شرائح ومكونات دينية وعرقية واثنية في العالم العربي، لا سيما المسيحيين منهم، وأهمها، فشل الدولة الوطنية العربية في بناء "دولة المواطنة المتساوية" المدنية الديموقراطية التعددية، وتباين درجة اعتراف الدساتير والتشريعات السارية في عدد من الدول العربية بحقوق المسيحيين وحرياتهم أفرادا وكنائس وجماعات، محاولات البعض توصيف مسيحيي المنطقة كقوة سلبية وأحيانا كظهير خلفي لأنظمة الفساد والاستبداد، ومحاولات بائسة، الجهات المتطرفة والإقصائية للنظر إلى مسيحيي المنطقة بوصفهم "أقليات" ثانوية، أو "جاليات وافدة" أو جيوبا وبقايا للاستعمار والحملات الصليبية، أو "أهل ذمة"، وهي "محاولات تسير جنبا إلى جنب مع محاولة أخرى للترويج لنظرية "حلف الأقليات"، المنبثقة من رحم الاستبداد وثقافته وفزاعاته". وحذر من "الميل السائد لدى بعض الدول الغربية لتهجير المسيحيين"، داعيا إلى "تثبيتهم في أوطانهم الأصلية".

الجلسة الأولى

بدأت الجسلة الأولى بعنوان: "الدين والقبلية تحديات الهوية العربية"، بكلمة لمنسقها الناشط الساسي المصري سامح مكرم عبيد، اعتبر فيها ان "للمسيحيين الدور في الشرق الاوسط كما كان لهم الدور في الماضي أيضا". وأكد على "المواطنة وعلى قيام الدولة الوطنية الحديثة وتحديث الدساتير"، ورأى أن "مقولة ان الاستبداد تحمي الاقليات مقولة خاطئة". أما الباحثة الدكتورة لميا شحادة، فرأت انه عندما نتحدث عن الوطن والدولة الوطنية نتحدث عن مبادئ اساسية اهمها المواطنة ودمج المكنونات على اختلافها، ولكن في الواقع نرى اعادة احياء الهودية الدينية على حساب الهوية الوطنية".

واعتبر الباحث الأب باسم الراعي، ان "العالم يدخل مرحلة جديدة تحمل معها تحولات بمعنى الدولة ودورها والشرق ليس بغريب عنها. (فيدراليات، تعديل دستور مع الابقاء على حدود الدول: الدول تدخل صيرورة تجعلها تدخل من مرحلة الى اخرى ومن نموذج الى اخر، ورأى ان الشرق بحاجة الى الاعتراف بالتعدد وقدرة الهويات على استخراج دساتير تمثلها حقا". أما رئيس كلية اللاهوت في الشرق الأدنى جورج صبرا، فعبر عن اقتناعه بان "لا مستقبل للمسيحيين في الشرق الاوسط ولا مستقبل للشرق الاوسط برمته دون مشاركة الدين في عملية التحول الى مجتمعات، يكون فيها الجميع متساويين والمسؤولية الاكبر في عملية التحول تقع على عاتق الاكثرية الدينية".

الجلسة الثانية

وعقدت الجلسة الثانية بعنوان: "المسيحيون العرب والنزاعات الإقليمية"، ادارها مدير المركز الكاثوليكي للاعلام في الأردن الأب رفعت بدر، الذي اعتبر ان "المجتمعات العربية في المرحلة الاخيرة حاولت ان ترسم مستقبل اكثر عدالة وخرجت الجماهير الى الشوارع وقالت كلمتها، ونجحت بعض الشعوب ومشى بعض الحكام الى سبيلهم، وقالت شعوب اخرى كلمتها لكنها مشت الى السجون ونشأت داعش واخواتها وكان المتضرورن المسلمون والمسيحيون معا والانسانية جمعاء".

أما مدير "مركز عصام فارس للدراسات السياسية" في الجامعة الأميركية الوزير السابق طارق متري، فقال: "يبدو لي اننا لا نستطيع البحث في اوضاع المسيحية السائدة دون ترداد الخطابات الوطنية. لكن مآسي اليوم تضع المصائر تحت المهجر. بطبيعة الحال لا يمكن رد الخيبات الى سبب واحد فتناقص اعداد المسيحيين وتدهور اضاعهم الاجتماعية وعدم مشاركتهم السياسية والخوف من الجماعات المتطرفة يزيد من تأثير هذه العوامل. هواجس الاقلية وهموم الاغلبية تقتضي الصدقية وهي شرط من شروط الوجود المسيحيي وتدنى احتلاف المعايير في القضايا القيمية والاخلاقية". وختم: "اثناء زيارته لمصر في العام الماضي تحدث الباب فرانسيس امام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن دولة القانون والعدالة، وشدد امام الازهر على ديموقراطية التنوع، وفي عظة القداس دعا المسيحيين الى ان يدافعوا عن حقوق الآخرين بنفس القوة التي يدافعون بها عن حقوقهم".

أما الخبير في شؤون التنوع الديني في العراق سعد سلوم، فتطرق الى "الانقسام الداخلي المسيحي في الشأن العراقي وكيفية استثمار هذا الانقسام من قبل العمالقة الداخليين (اكراد سنة شيعية من خلال تقاسم ثلاثي للسلطة يحددون فيه مستقبل العراق)". وطالب سلوم بـ"مرجعية موحدة للمسيحيين في العراق ليكون هناك حضورا فاعلا لهم مع الدعوة لجمع الطوائف المسيحية في كنيسة موحدة، والنظر للتراث المسيحي الديني بوصفه تراث عراقي مشترك مع سائر العراقيين". أما منسق الحوار الديني العالمي في مؤسسة كونراد ادياور اوتمار أوهرينغ، فتطرق الى وضع المسيحيين في العراق، فاعتبرهم "ضحايا الأزمات التي ضربت المنطقة ولا يكفي التحدث عن التمييز في القوانين والدساتير ولكن من المهم وصف الواقع على الارض والذي يجعل بقاء المسيحيين في المنطقة مستحيلا".

الجلسة الثالثة

والتأمت الجلسة الثالثة بعنوان: "الأقلوية والحماية: مقاربة نقدية" تحدث فيها الوزير المصري السابق سمير مرقص، والأستاذ الجامعي في فلسطين حنا عيسى والخبير في السياسات العامة وشؤون اللاجئين زياد الصائغ.

اما المتحدث الرئيسي في المؤتمر، عضو تكتل "لبنان القوي" النائب نعمة افرام، فقدم دراسة تاريخية مسهبة عن دور المسيحيين في المنطقة على مر العصور، وسأل: "هل المنطقة ذاهبة لمزيد من التفكيك والتفكك؟ هل سنكون امام مؤتمر فرساي جديد ومعاهدة سيفر جديدة؟ وهل سيكون لنا كلمة مرة اخرى نحن المسيحيين في مسار تشكيل المنطقة مما يحمي وجودنا الفاعل والحر والسلامي؟ ام إننا سنتحول تحفا واقليات في وقت تهاجر فيه الأغلبية الى الغرب؟ وهل سيوازي ذلك توجه غربي لتقليص المسلمين من على اراضيه؟ فنمسي امام فرز حضاري مخيف؟". واعتبر ان "الفرق بين هذه المسارات، هو في وعينا لما يجري من حولنا وفي ان نكون مستعدين لهذه اللحظة المفصلية التي فيها سينظر الى الكيانات الفاعلة المنتجة القادرة على تحمل مسؤولياتها وربما مسؤوليات غيرها، ليس من الممكن ان يزاد لنا اذا كنا على هذه الحالة من التردي على الصعيد الوطني والدستوري والسيادي والإقتصادي والإجتماعي والصحي والبيئي والأخلاقي. اذا اردنا ان يبقى لنا لبنان ودور فاعل للمسيحيين في الشرق، علينا ان ننجح في هذا الإمتحان وان نتحول من دولة شبه فاشلة الى دولة منتجة وقادرة على تنظيم حياة مواطنيها". واكد "نحن ابناء هذه الأرض واصيلون فيها ولا نكهة لهذا المشرق من دوننا، يجب ان يستعيد المسيحيون في هذا الوطن وهذا الشرق دورهم ورسالتهم، يجب ان يكونوا قدوة للعلم والإحترام ومثالا لإدارة خلاقة للتعددية ولشؤون المواطنين والوطن والا على حضورنا ودورنا السلام".