موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٥ مايو / أيار ٢٠١٩
الدين من أجل الإنسان

د. رامى عطا صديق :

شهد العالم خلال الفترة الماضية عدة حوادث إرهابية، وقعت هنا وهناك، وهى حوادث قامت بها عناصر إرهابية متطرفة ضد من يختلف معها فى الدين والعقيدة، أو فى الرأى والفكر، استنادًا إلى الدين والأديان منها بريئة، فمن هجوم على الكنيسة البطرسية (يناير 2016م) والكنيسة المرقسية بالإسكندرية وكنيسة مار جرجس بطنطا (أبريل 2017م)، إلى هجوم على مسجد الروضة بالعريش (نوفمبر 2017م)، وهجوم على مصلين يؤدون صلواتهم فى مسجدين بنيوزيلندا (مارس 2019م)، وهجوم على 3 كنائس فى سريلانكا، بينما كان المصلون يحتفلون بعيد القيامة المجيد (أبريل 2019م)، لتوضح تلك الحوادث أن الإرهاب واحد فى كل مكان، من حيث ارتباطه بالتطرف والتشدد واستخدام العنف، ومن جانب آخر البعد عن صحيح الأديان وغياب الحوار ومحاولة فهم الآخر، الأمر الذى يستحق التوقف أمام من يدَّعون التدين والتمسك بالفضيلة والجهاد باسم الله والدين.

ونشير هنا إلى مجموعة من المنطلقات الأساسية، أولًا: إن الدين, أى دين, هو من أجل الإنسان وسعادته، فالإنسان هو الذى يحتاج إلى الدين لإشباع روحه وقلبه فى عالم يموج بالتغيرات السريعة والتطورات المتلاحقة، وهو كذلك يحتاج الدين لتهذيب عقله ونفسه وفكره، من حيث ربطه بالفضيلة وتجنب الرذيلة، وحثه على القيام بأعمال الخير وأفعال الرحمة مع القريبين منه والبعيدين عنه على حد سواء، فمن الملاحظ أن الأديان السماوية جميعها تأمر أتباعها بمحبة الجميع دون تفرقة أو تمييز، من منطلق الإنسانية التى تشملنا جميعًا، وأننا خليقة الله وصُنع يديه.

ثانيًا: سؤال جوهرى يفرض نفسه علينا، وهو ماذا جنى البشر من الصراع والتناحر، خاصة إذا كان الصراع على أساس الدين الذى يرتبط بصفات راقية وفضائل سامية؟ واقع الأمر أنه سؤال قديم يتردد بين الحين والآخر، مع كل حادث يرتبط بالدين اسمًا وشكلًا وإن كان يبتعد عنه فى المضمون والجوهر، وعلينا أن نصارح أنفسنا لنكتشف كيف أن الإنسان لم يربح أى شيء من ذلك الصراع، ولم يحقق إلا الخصام وافتقاد السلام وتأخر جهود التنمية والرخاء، وقد يصل الأمر إلى فقدان أشخاص أعزاء راحوا ضحايا العنف والإرهاب.

ثالثًا: رغم الألم الشديد الذى نشعر به والمعاناة الكبيرة التى تُسببّها الحوادث الإرهابية، فإنه ليس أمام دعاة المحبة والسلام إلا التكاتف والوحدة والتعاضد فى مواجهة قوى الإرهاب والشر، وليس أمامنا خيار إلا نبذ أشكال العنف والتشدد وكل أنواع التطرف، من أجل حاضر أفضل ومستقبل مشرق لنا ولأولادنا من بعدنا، حيث يتطلب الأمر تعاونا داخليا وتنسيقا دوليا، فكلنا شركاء فى المواجهة واقتلاع الإرهاب من جذوره عبر مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية، التى تشمل مؤسسة الأسرة والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية والشبابية والتشريعية ومنظمات المجتمع المدنى من جمعيات ومؤسسات أهلية، من خلال تعظيم دور تلك المؤسسات فى نشر وتدعيم قيم المحبة والتسامح والسلام وقبول الآخر والتعاون المشترك والتعايش السلمي، الإيجابى والفعال، ومن جانب آخر حث المتطرفين على العودة إلى الوسطية والاعتدال وانتهاج طريق السلام، كما يتطلب الأمر تنسيقا دوليا بين الدول والمنظمات الدولية من أجل مواجهة الإرهاب وعدم إيواء الإرهابيين وتسليمهم للمحاكمة.

رابعًا: من المفيد للمجتمع استثمار القوى الناعمة والأسلحة الذكية فى نشر وترسيخ قيم المواطنة والحوار واحترام الآخر وحق الاختلاف، ومن ذلك مثلًا لا حصرًا الدراما التليفزيونية والسينمائية والأعمال المسرحية والغنائية والأنشطة الرياضية والتاريخ المشترك والتراث الثقافي، إضافة إلى الممارسات الاجتماعية بين المواطنين التى تشمل المشاركة فى الأفراح والأحزان والاحتفال بالأعياد الدينية والمناسبات القومية.

خامسًا: من الضرورى إلقاء الضوء على المبادرات التى تستهدف نشر الوعى بالذات والآخر، وتدعيم منظومة القيم الإيجابية، ومد جسور التواصل بين المواطنين، والبشر عمومًا، فعلى المستوى المحلى يبرز دور بيت العائلة المصرية الذى يعمل بالتعاون بين الأزهر الشريف والكنائس المصرية، ولجنة ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان بالمجلس الأعلى للثقافة، وعلى المستوى العربى والدولى يبرز دور مؤسسة أديان فى لبنان، ومركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة ومقره فيينا، وغيرها الكثير من مبادرات، مصرية وعربية ودولية، تستحق المتابعة والدعم والتشجيع.

(الأهرام المصرية)