موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ١ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٨
الخط الرفيع بين المواطنة المسؤولة ومن يدمر ويسيء

رومان حداد :

الفرق بين حرية التعبير المصونة والتهجم والذم والتحقير الذي يشكل جريمة فارق كبير، هو الفارق الذي جعل جلالة الملك عبدالله الثاني يتساءل بمقالته سؤالا يخطر ببالنا دائماً هل نحن أمام مواقع تواصل أم تناحر اجتماعي، وعن هذا الفارق جاءت مقالة جلالة الملك، فالملك أكد أهمية مواقع التواصل الاجتماعي لأنها تساعده على سماع أفكار وآراء المواطنين من دون (فلترة) أو قيود أو حواجز، ولكنه تعجب أيضاً من كم العدوانية والكراهية التي تحفل بها هذه المواقع.

أهمية مقالة الملك تأتي بالتوقيت، فهي جاءت في وقت كثر فيه الجدل حول قانون الجرائم الإلكترونية، فمن يدعون مناصرة حرية التعبير يرون أن قانون الجرائم الإلكترونية يشكل معيقاً حقيقياً أم هذه الحرية، في حين أن أطرافاً أخرى ترى ضرورة تنظيم حالة الفوضى والعدوانية على مواقع التواصل الاجتماعي بحيث يكن كل واحد مسؤول عما نشره.

وهنا يأتي ما قاله جلالة الملك في مقالته مهماً جداً للتفريق بين حرية التعبير والتهجم على الآخرين، فجلالته يقول أن هناك فارقاً بين من ينتقد الأداء ويطالب بتحديد المسؤولية بمن يناط بهم العمل والإساءة أو الشماتة أو السخرية، فالفارق هنا بين من يمارس حقه كمواطن وبسلبية فقد إنسانيته.

اليوم يقف كل من مجلس النواب والحكومة أمام استحقاق مهم وهو إقرار قانون الجرائم الإلكترونية، وعلى كلا السلطتين أن تقوم بدورها لإقرار القانون بأفضل صيغة ممكنة للأردن وبالتوافق مع مصالح الدولة العليا، بحيث يكون القانون بوابة حقيقية لحرية التعبير عن الرأي، وفي ذات الوقت يشكل أداة قوية لمنع الإساءة للآخرين ومنع نشر الشائعات.

فكما أن حالة تبني خطاب الكراهية والإساءة للآخرين اصبحتا معلمان بارزان في مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن، فإن هذه المنصات تحولت لوسائل نشر كبرى للشائعات، هذه الشائعات التي تعيق العمل وتساعد على خلق واستدامة مزاج عام سلبي لدى الأردنيين، يفقدهم الثقة بوطنهم، وبقدرتهم على تجاوز الصعاب والعمل لإحداث التقدم المطلوب، فيخلق حالة عامة سلبية تمنع الإنجاز.

ما يقوله جلالة الملك أن التطور أمر ضروري وحتمي ولكن هذا التطور لن ينعكس علينا إيجابياً ما لم نحافظ على منظومة أخلاقية عامة، فالتطور التقني أداة فقط، ولكن كيفية استخدامها والاستفادة منها أمر آخر، يعتمد على ما نقدمه من محتوى يزيد المواطنة الفاعلة ويقوم ويستند إلى مجموعة من القيم والأخلاق خلال التعامل مع الآخرين.

ولكي يتحقق اما يصبو إليه جلالة الملك من انضباط أخلاقي بالتعامل مع القضايا العامة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإن ذلك يتطلب تضافر كل من قانون قادر على ضبط الحالات من دون تقييد حرية الرأي والتعبير، وسلطة قضائية مختصة قادرة على النظر بالقضايا المرفوعة أمامها وإصدار قرارها بسرعة، لأن تحقيق العدالة يتطلب السرعة بالبت في القضايا، وأخيراً حكومة تدرك احتياجات الإنسان المعاصر للمعلومة الصحيحة، وتقديمها له بأفضل الأساليب الممكنة، حتى لا تترك مجالاً للشائعات الناتجة عن نقص بالمعلومات أو بطء بإيصالها.

(الرأي الأردنية)