موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٢ مايو / أيار ٢٠٢٠
الحلقة الأخيرة من خبرة الإعلامية الأردنيّة لينا مشربش حول إصابتها بفيروس كورونا
كتبت الإعلامية الأردنيّة لينا مشربش مقالات في صحيفة اللويبدة، بعد أن أصيبت بداء الكورونا أثناء زيارتها لابنها الدارس في لندن. وقد طلب رئيس تحرير أبونا منها أن تنشر أيضًا فوق صفحات موقع أبونا، لتعميم الفائدة، والإصغاء لهذه الخبرة الإيمانية والإنسانية.
الإعلامية لينا مشربش تكتب خبرتها الشخصية مع كورونا

الإعلامية لينا مشربش تكتب خبرتها الشخصية مع كورونا

لينا مشربش :

 

خليكي في لندن أحسنلك ليش ترجعي؟ عبارات تكررت على مسمعي بعد أن بدأت رحلات العودة الإستثنائية التي نظمها الأردن لإعادة أبناءه من الطلبة والعالقين في بلاد الله الواسعة، وأقول جوابي الفاصل الحاسم على هذه النصائح مستعينة بالشاعر الكبير الراحل نزار قباني الذي قال:" هل يُسأل الجنين لماذا أنت في رحم أمك". أكتب وأنا في حالة شوق وحنين وسعادة غامرة لانني حجزت اليوم مقعدي لأكون مع المجموعة الثانية من العائدين الى الديار من لندن يوم الجمعة في 15 أيار.

 

كانت تجربتي حافلة خلال الشهرين الماضيين رغم قسوة جانب منها بعد إصابتي الحادة بكورونا لكنني أقدر الوقت الذي كان فيه لدي وقت للقراءة والتعلم، ولا أنكر أنني أتقبل وجودي في لندن وانا سعيدة لأن رئتي اللتان أتنفس منهما "راكان وشهم" موجودان في لندن، ومع هذا يبدو أننا كلما تقدمنا في العمر يشتد بنا الحنين والحاجة الى الأستقرار ولا مستقر لي إلا رحم الوطن.

 

في الإيجاز اليومي من عشرة داوننغ ستريت" مقر الحكومة البريطانية" أرقام الإصابات والوفيات اليومية مؤلمة جدا ووصفت بالمأساة غيرالمسبوقة، وقد وصلت الوفيات حتى الآن الى أكثر من 32 الف شخص. ويعترف البريطانيون أنهم تأخروا في إجراء فحوصات الكشف عن الإصابات بالفيروس وأقروا بفشل نظرية "مناعة القطيع" التي طرحوها بداية اجتياح الفايروس ومضمونها رفض سياسة الحجر التام وبقاء الحياة على ما هي عليه، وبالتالي تسود المناعة الجماعية ويضعف الوباء، وتراجعت الحكومة البريطانية أمام ضغط الناس وبعد أن تسارع معدل الوفيات اليومي بحوالي الف شخص يوميا، ولذلك فرضت الإغلاق والحضر ومسافات الأمان بين الناس، كما أعلنت مؤخرا ومتاخرة أنها ستخضع القادميين من الخارج للحجر الصحي مدة 14 يوم في أواخر شهر مايو أيار الجاري.

 

أسير بشكل يومي في محيط منزلنا في لندن مع أبنيّ، وهو النشاط الوحيد المتاح لنا خارج المنزل، نتحدث ونحن نمشي ونتناقش في أمور متنوعة ومنها وباء الكورونا الذي يتصدر اهتمامنا كما اهتمام العالم، وعندما انتقلنا في حديثنا عن الأردن، علق أحد أبنائي: "أمي الأردنيون محظوظين" كم أسعدني هذا الكلام لأنه صدر بعفوية واستنتاج مبنيّ على اهتمام ومتابعة لشأن الوطن. نعم الأردن أجاد في إدارة أزمة الكورونا بعقلية فذة خففت الإنتكاسات عن الأردنيين وتفوق بلدي على العديد من الدول المتقدمة في إستشعار حجم الخطر واتخذ إجرات وقائية وإرشادية إلى جانب التقصي النشط على الحالات، وكانت أجهزتنا الامنية والعسكرية تنفذ بجرأة وحزم القرارات التي تخرج عن خلية إدارة الأزمات لمنع انتشار الفايروس بين الناس. وهنا لا بد أن اقول إن المهم أيضًا إلتزام الناس ووعيهم لكي لا يذهب جهد الوطن في مهب الرياح.

 

البريطانيون يلتزمون بالتعليمات وهذا ما ساعد الدولة في إجراءاتها وبدأت الخسائر البشرية تتراجع، واليوم تغير نداء الدولة لمواطنيها من: "إبقوا في منازلكم إلى إبقوا في حالة تأهب". هي معركة بل أشد المعارك التي تواجه البشرية.

 

منذ حوالي ثمانية أسابيع بدأت على مستوى بريطانيا مبادرة دعت إلى التصفيق أسبوعيًا كل يوم خميس في الساعة السادسة مساءً شكرًا وامتنانًا للطواقم الطبية البريطانية الذين يخاطرون بحياتهم للتصدي للفيروس وخسروا جراء عدوى الفيروس الألاف من الأطباء والممرضين. المحطات التلفزيونية تتابع هذا الحدث أسبوعيًا فتنقل على الهواء في وقت واحد صورة ولا أروع. البريطانيون ومن كل شرائح المجتمع والأعمار بمن فيهم الأمراء الكبار والصغار وكذلك رئيس الوزراء وأعضاء حكومته، يصفقون من النوافذ والشرفات ومن أمام منازلهم في يوم محدد هو الخميس، ووقت ثابت هو السادسة مساء مدة دقيقة واحدة.

 

هل نستطيع في الأردن أن نعمل مثل هذه المبادرات عرفانًا وتقديرًا لمن يعملون في الصفوف الأمامية والمتطوعين، نعم نستطيع ونستطيع، وتخيلوا حجم التلاحم والتأثير الذي سيتركه ذلك التقدير الشعبي في النفوس.  

 

وأخيرا هذه بشرى لأهلي وأصدقائي ففي 16 أيار سيكون صباحي عماني وسيكون لي أجمل الصباحات صحيح سأكون في الحجر الصحي في غرفة الفندق مدة 17 يومًا، وكنت قبلها في حجر لندني مريضة بالفيروس اللعين، ولكن المهم أنني في حضن الوطن، وكلي إيمان أن الغد أفضل وسيعود الخير، وسنبقى نعيش مسكونين بالأمل وليل الكورونا سينجلي ولن يستمر طويلا.