موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الإثنين، ٤ فبراير / شباط ٢٠١٣
الحسن بن طلال يكتب : أهلاً وسهلاً بالأشقاء في أرض الرباط

عمون :

علمتنا كل دروس الحياة أن علاقة الشعبين الأردني والسوري الإنسانية ليست معطى مباشراً لجيرتهما الجغرافية فحسب, بل هي منجز إنساني يُعرفه الأصل الواحد وكل المشتركات والجوامع التي تجمعنا معاً؛ عرباً ومسلمين ومسيحيين، مع رباط التاريخ والحاضر والمستقبل, وما يرتبط به من آمال وتطلعات ومصير, وما يقود إليه من عمل وجهد. وما أعنيه هنا هو تلك العلاقة الإنسانية التي تبدأ بإدراك قيمة كل إنسان وحريته واستقلاليته وحقه في الاختيار والقرار والعيش الكريم. تقابلها العلاقات اللاإنسانية التي تنطلق من منطق القطيعة, أو إغلاق الباب أمام الضيف, أو صد المستجير وحرمان اللاجئ حق اللجوء, وهو ما لم، ولن, توصف به علاقات الأردن وسوريا في يوم من الأيام.

إن الذي يجري الآن في الشقيقة سوريا يؤكد بوضوح أن هناك ضحايا كثر للصراع, ومن لم يمت في حمأة الوغى نزح إلى مكان آمن داخل أرض بلاده, أو لجأ مستجيراً بأشقائه في الجوار القريب. ولما كان الأردن هو الأقرب جيرة، فقد كان هو الخيار الأوفق لكثيرين, تقديراً على ما يربط بين الشعبين الأردني والسوري من علائق واشجة لا تنفصم.

وإذا أمعنا النظر فيما حدث ويحدث الآن أمام أعيننا سنرى خسارة هائلة لسوريا الشعب والأرض, لا بل لبلاد الشام, حيث أن التحدي هو للأرض وسكانها الأصليين (المناقلة الأصلية), أي الأرض والهوية, حين يكون التفتيت والتمزق لهويتنا العربية الجامعة طائفياً وعرقياً وجهويا, مما يثير في الأذهان مخطط جديد للهلال الخصيب بل للأقليم ككل, على غرار ما حدث في بلاد أخرى ابتليت بالصراعات والحروب, إلا أن ما تشهده سوريا يتفوق عليها في آثاره الاجتماعية, إلى جانب متعلقاته السياسية والاقتصادية, إذ أن الانقسام الاجتماعي, الذي نخشاه, صار يتبدى على نطاق أوسع من ذلك الذي حدث في الأمثلة الأخرى.

لهذا، علينا أن نجتهد معاً, وسنعمل من خلال منتدى الفكر العربي, وعبر لقاءات تشاورية عربية, مع كل مكونات المجتمع السوري في إطارٍ من التفاعل المقنع حتى نصبح ومضة أمل جديد يعين المقتلعين من أرضهم على بناء الاستقرار النفسي، وفقاً للنهج السليم، فنحن لسنا جيراناً فحسب, بل أبناء أسرة واحدة, كانت وما زالت وستظل, موحدة في شعورها ووجدانها ومصيرها, وهي كالجسد الواحد, إذا تأثر منه عضو في سوريا, ينبغي أن يتداعى له سائر المجتمع الأردني بالسهر على عونه وخدمته.

إن الأردن, وكما هو معلوم للجميع، يمر بظروف اقتصادية عصيبة، وندرة في مقومات الحياة؛ من ماء، وطاقة، وغيرها، إلا أن هذا لا يجعل أهله الخيرون يوصدون أبوابهم أمام من دفعتهم الظروف لقرعها وطرقها آناء الليل وأثناء النهار طلباً للعون ورغبة في الحماية من غائلات العصر ونائبات الدهر. فمواقف المجتمع الأردني المضياف معروفة, وشهامة أهله ونخوتهم وكرمهم مشهودة؛ روتها الأحاديث, وسطرتها الحكايات, وحفظتها الأضابير, مثلما ترسخت في النفوس, وتعضدت بالممارسة ونبل السلوك.

وذكر الخصال الحميدة لا يعني أنها تراجعت, أو تقاعس أهلها عن واجب نُصرة الضعيف وإغاثة الملهوف, وإنما تذكير بما هو مؤكد في حياتنا كأردنيين، واجهنا في تاريخنا القريب والبعيد كل صنوف المحن وعاديات الإحن؛ لجأ إلينا الجار, وقصدنا القريب والبعيد، فما قصرنا أو تذمرنا، وتقاسمنا معهم لقمة العيش, وجُدنا لهم بالموجود, حتى صار خيار القادمين منهم بعضٌ منّا وزاد قوة لنا.

إن العهد الأردني التاريخي؛ أردن الرباط, والثغر, أردن الملاذ, موصول مع من دفعتهم الظروف إلى مغادرة أوطانهم. ويحتم علينا الواجب الإنساني والأخلاقي والتاريخي وروابط القربى والدين أن نمد يد العون لأشقائنا السوريين, وأن نكون لهم الملاذ الآمن, وأن نخفف عنهم صعوبة هجرة الأوطان,وأن نقدم لهم كل ما نستطيع كأفراد ومؤسسات. فالشعب السوري قد عُرف دوماً بمواقفه القومية مع أخوته وجيرته, وقدم تضحيات جسام في سبيل أمته, والآن هو بحاجة الى الوقوف معه لتخفيف مصابه, وحتى يقيض الله له سُبل استقرار تُعيده إلى وطنه.

وبصرف النظر عن حجم المعاناة التي تعتصر الأردنيين جراء الأزمة الاقتصادية, اسمحوا لي أن أؤكد أهمية المعاملة التي ينبغي أن يجدها اللاجئ السوري بين ظهرانينا، لأننا الأقرب إليه, ونحن أهله وأشقاءه. وأنا لست بحاجة إلى أن أُذكر، أو أسهب في الحديث عن هذا الموضوع، لأنني أعتقد يقيناً أن الشعب الأردني على بينة من واجباته الأخلاقية والإنسانية, ولكن ليطمئن قلبي وقلوب كل الخيرين على أننا ما زلنا على عهدنا لأشقائنا, رغم ما نعانيه من ضيق ذات اليد وتحديات الحاجات الخاصة. فالحسنة مضاعفة لفاعلها بامثالها، أو (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)، كما جاء في الذكر الحكيم.

لقد ناشد الأردن العالم لتحمل مسؤولياته الإنسانية والأخلاقية, إلا أن ضعف الدعم الدولي للاجئين السوريين يلقي علينا بأعباء إضافية تجعلنا نستشعر ما نحن فيه، وتذكرنا أكثر بتحديات ما يجابهنا من صعوبات في القيام بواجبنا. وخشيتنا من أن أي تقصير تجاه الحالة الإنسانية المتفاقمة للاجئين قد تأتي بانعكاسات سلبية على أوضعاهم، وتزيد صعوبة الموقف على المواطن الأردني, الذي يكابد قوت يومه في ظروف اقتصادية بالغة التعقيد.

إن ما نشهد من تمنع في فعل الخير يعني أن فقه الأوليات في العالم قد تعطل، وجاء زمن تتكالب فيه الدول على تحصيل منافعها الخاصة متجاهلة ضرورات الصالح الإنساني العام، الذي يشمل فيما يشمل حماية المستضعفين ورعاية المقتلعين. وإذا كانت مبررات الصالح العام اجتهادية في كثير من الأحيان، فهي بالقطع ليست من المسائل الظنية، لأن الحرص على تقديم العام ينبغي أن يسبق الحرص على الخاص. وفي حالة الحروب والصراعات، فإن الوقت ليس وقت إظهار أي رأي أفضل وأي اجتهاد أصوب، بل الوقت وقت رصّ للصفوف وجمع للكلمة وحشد للإمكانيات والطاقات في مواجهة الظروف المستجدة والتحديات الطارئة.

ومثلما ناشدنا العالم لتحمل مسؤولياته تجاه الحالة الإنسانية الحرجة للاجئين السوريين, فنحن نناشد جميع أبناء وطننا كبشر بضرورة العطف على كل البشر، أن تذكروا دائماً إنسانيتكم, التي عُرفتم على مدى التاريخ بها, ولا تنسوا في زحمة تحديات حاجاتكم الخاصة إخوانكم وأشقائكم من أبناء سوريا, الذين استجاروا بكم في لحظة محنة, وجاءوكم طلباً لمأوى.

إن الحالة السورية الراهنة تحتم علينا أن نتعلم كيف نفكر بطريقة جديدة تجاه أشقائنا الذين قادهم الظن الحسن إلى الاحتماء بأرض الرباط, أردن العرب. وتوجب علينا أن نتعلم أن نسأل أنفسنا، ما الخطوات التي يمكن اتخاذها لإعطاء حق اللجوء إلى الإنسان من حيث هو إنسان, وليس إلى أي مجموعة نفضل, لأنه لم تعد مثل هذه الخطوات محل تساؤل, مثلما لم تكن في يوم من الأيام محل تساؤل, وإنما هي واجب مستحق النفاذ. والسؤال الذي يجب أن نسأل أنفسنا: ما الخطوات التي يمكن اتخاذها لمنع الكارثة الإنسانية, التي تترتب على حالة اللجوء لجميع الأطراف المتأثرة؟

أقول إننا ينبغي, أولاً, أن نؤنسن أوضاع اللاجئين السوريين, كواجب عروبي وديني وأخلاقي, وباستدراك الأبعاد القيمية في مفهوم الأمن الإنساني. وأود بعد ذلك أن نذهب فيه إلى الحديث عن حقوق الإنسان, وما تستوجبه آليات حقوق الإنسان في رعاية المقتلعين, والتي ساهمت مضامينها الحديثة بشكل كبير في إضفاء الطابع الإنساني على قضايا اللجوء والنزوح, قبل بلوغ ترتيبات سياسية تستقر بها الأوضاع ويتحقق بها الأمن, ومن ثم ننتقل للحديث عن الخطوة التالية, التي ستكون بالطبع مناقشة تعمير ما خربه الصراع, والتخطيط للتنمية الاقتصادية ما بعد انتهاء هذا الصراع.