موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الأربعاء، ٢٧ فبراير / شباط ٢٠١٣
الحاجة إلى مطعوم ثلاثي يقينا الرشوة والواسطة والمحسوبية

عمر عبوي :

إن المتقصي لوقائع الأمور في الأردن، وما يجول حولنا من تنهدات باتت متقطعة؛ يعي ذاك المشهد بوضوح، ويتناول أموره بشكل فيه تروي، لكن لا يخفى على أحد، أننا بصدد البحث عن واقع اجتماعي أفضل – لنا جميعاً- ملكاً وحكومةً وشعباً.
هذا الواقع الذي يؤرق الجميع، لأن تعريف الواقع هنا؛ عبارة عن ] مرحلة انتقالية[ ذات مدة زمنية محددة، اذن ما نعيشه هو مرحلة انتقالية من –و- إلى، وبالتأكيد فهو من حال معين إلى حال أفضل، لكن ما مدى هذا التغيير، وما هي انعكاساته علينا جميعاً، وهل ظل الاصلاح يفينا جميعاً من الشمس الحارقة (الوضع قبل الاصلاج-إن صح التعبير) أو أنه سيترك بعضنا عرضة للشمس، أم أنه وفي أي مرحلة كانت هنالك أشخاص/ جماعات/ فئات باقون تحت الشمس لا محال.
إن الايمان بالاصلاح شيءٌ جميلٌ لا جدل فيه، وإن المسير نحو الاصلاح فيه جدلٌ كثير، حيث أن غالبية الأردنيون يؤمنون بأن الاصلاح آت وطريقه شاق، وهذا ما تردد على لسان الكثيرين من أوساط رسمية وغير رسمية، شعبية كانت أو حتى معارضة، لكن ما استوقفني فعلاً، هو مستوى السقف الذي نطالب به، وأليات عمله، وكيفية الوصول إليه، وما هو الهدف العام من الاصلاح، أي إلى أين سنصل، وما هو مرادنا بالفعل؟.

أنا على يقين تام، بأن وعي الكثيرين من أبناء الشعب الأردني يحول دون انحدار الأردن إلى مستويات متدنية في العمل والحراك الجماعي، بل يعلو سقفه بعلو هامات الأردنيين، ورفعة ونقاء ونبل مطالبهم وأهدافهم نحو الصيرورة بمكان لنيل ما هو أفضل لنا جميعاً ملكاً وحكومة وشعباً.

ما نريده قد لا يريده الأخرون، وهذا هو الحال دوماً، لكن ما نطلبه قد يؤتي بثمار يأكل منها الكثيرون، اذا وضعنا جميعاً نهجا واضحا لمسار الاصلاح، أو خارطة طريق تكون بمثابة ميثاق وطني للإصلاح لنا جميعاً.

إن الاصلاح أشبه ولحد كبير بالديمقراطية، فهي طريق شائك ذات نهج واضح يعتمد على تراكم وتضافر السلوكيات الايجابية بمجال، لنسير بعدها نحو الديمقراطية بمكان أخر، ونلتقي عند تحقيق الأهداف، فلا يعقل بأن الديمقراطية ذات صبغة متطرفة، أو ذات أفق سلبي.

وكذلك الاصلاح، فلا يعني المكوث طويلاً في الحراكات دون تحقيق ايجابي للمطالب العامة، ولا يعني بأي حال من الأحوال الإساءة للأشخاص، أو توتير الوضع العام دون الوصول إلى حلول ايجابية، مفادها أن الوطن للجميع، وأن الاصلاح هو حراك للوصول لهذا الوطن الذي نريد، لكن السؤال المحير ماذا يريدون، وماذا نريد؟
يبقى هذا السؤال حاضراً ويغيب عنه الاجماع الوطني المدافع عن حقوق الناس، والداعم لحقوق الشعب، والساند الأول للحريات واحترام الثقافات والعمل بشفافية ومصداقية ضمن تدرج منهجي واقعي فعلي نحو الهدف العام.

كلنا مدركون بأننا بحاجة إلى مطعوم ثلاثي يقينا شر االرشوة/ الواسطة/ المحسوبية لمحاربة الفساد، وكلنا على يقين بأننا بحاجة إلى حلول جذرية تطال مثلث الفقر/ البطالة/ وعدم الانتاجية، وكلنا يدرك التحديات الاقتصادية التي تعتلي هامات الوطن وتراوده من ارتفاع في المديونية/ عجز في الميزانية/ التضخم الاقتصادي/ ارتفاع مزمن للأسعار/ محدودية المصادر (المياه والطاقة)/ تدني مستوى الخدمات.

إذ أننا نعرف جميعاً كل هذه التحديات ونحن على يقين تام بما يدور حولنا من وضع اقليمي متهيج قابل للانكسار في أي لحظة، فإننا ندرك حرج اللحظة، ونجهل أحياناً غضب اللحظة، وردة فعلها علينا، لأن غضب الشارع مسألة في غاية الحساسية والأهمية، فهل يدرك الغاضبون أبعادها وأوصالها، وهل يدرك العاقلون تبعاتها. وبين الشد والرخي- نعرف جيدأ أهمية شعرة معاوية- هناك اجماع للوصول إلى نقطة نظام وحل يوصلنا جميعاً إلى ما نريد لهذا الوطن الغالي على قلوبنا جميعاُ، هذا الوصال والحوار والتفاهم المبني غلى أسس الرغبة في التغيير والمضي نحو الأفضل، هو المركب الذي يوصلنا إلى بر الآمان، إلى بوصلة نحدد بها المجتمع المدني الحديث، الذي نلتف حوله بكل شجن لبنائه وبناء خيراته لخير الأردنيين جميعاً، لكن ضمن منظومة واضحة تعرف بمنظومة ]الأمن- السلم- العدل[.

ذلك لأن بناء مجتمع مدني حديث يتطلب وجود الأمن والآمان، وينبثق منه السلام والمصالحة لتحقيق السلم الأهلي، ويثبت فيه مفهوم العدالة الاجتماعية ويكون العدل هو أساس المُلك، هذا المجتمع الذي لا يعرف الفساد، ولا يخاف من هيمنة جماعات معينة على حساب أخرى، يحترم الوجود الثقافي والأخلاقي والعيش المشترك، هذا المجتمع الذي يعطي حقوقاً للمرأة والطفل والمسن، المنفتح على احترام القلة والأقليات والفئات والعشائر والمخيمات، ضمن مجتمع مدني ينبذ العنف والطائفية وخصخصة الأمور وشخصنتها، هذا المجتمع الذي يحترم الحريات ويخاف عليها ويعطي صوراً جميلة لما نحن عليه الآن وإلى ما سيحول إليه الأردن كبلد فيه الكثير من الانجازات ليعطيها للآخرين، الكبير ببنائيه والصغير بالذين يرابطون لهدمه.

ليكن حراكنا ايجابياً مستمرا، بمستوى الوطن الكبير وليس بمستوى الأشخاص، ولتكن أفعالنا الحكومية ايجابية بمستوى وعي الناس واحترامهم واحترام حقوقهم، وليس بمستوى المصالح الشخصية.
ليكن حراكنا أكثر التقاءً نحو الهدف العام وهو الخير العام، ليطال سواعد وعقول الأردنيين في تنمية المواهب والفرص والامكانيات ومدعاة لايجاد الحلول لا لفرض المشاكل.

إن الوطن الذي نعيش ونسعى لبنائه، هو وطن الحريات والمؤسسات ودولة القانون، يبنى ويؤسس بالحوار والتفاهم ضمن الأسس القانونية المنشودة باسلوب مدني سلمي وحديث، بدون تجديف لقيم الوطن وعزائمه، بدون تثبيط للعزائم التي تبني مبادئ الحياة وتعزز من فرص الوجود الفعلي للانسان الأردني الذي نريد.
فهل يا ترى نلتقي جميعاً على ما نريد؟

ملاحظة: في هذه المرحلة الهامة، نحن بحاجة ملحة إلى ميثاق وطني للاصلاح يجمعنا تحت مظلته ويقينا المطر والشمس معاً. وسنعاود الحديث عن ذلك الميثاق لاحقا ، باذن الله .

ماجستير علاقات دولية
omara@caritasjordan.org.jo